الصفا
في الأول من آب المقبل تنتهي ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ويتعذر تعيين حاكم بديل للمصرف المركزي بغياب رئيس للجمهورية. المتعارف عليه سياسياً في لبنان أن الحاكم يدخل ضمن السّلّة المتفق عليها، والتي تشمل انتخاب الرئيس وتشكيل الحكومة وتعيين الحاكم وقائد الجيش وغيرها من التعيينات في المراكز الحسّاسة في الدولة.
أصبح موقع حاكمية مصرف لبنان جزءًا من إعادة تكوين السلطة التنفيذية، أي جزء من عملية إنتخاب الرئاسة وتشكيل الحكومة وإعداد برنامجها، وهذا يعني بالتدرّج أنه لا بد من البدء بانتخابات رئاسة الجمهورية.
ويقال إن السقف الزمني لحصول عملية إنتخاب الرئيس حُدِّد في اجتماع باريس ربطاً بالمهلة الزمنية لإنتهاء ولاية الحاكم. إتفق المجتمعون على أن انتخاب الرئيس يجب أن يسبق انتهاء ولاية الحاكم، ويتم تشكيل حكومة تعمل على تعيين حاكم جديد للمصرف المركزي.
تغيير رياض سلامة مشكلة مزمنة. رَغبَ رئيس الحكومة فؤاد السنيورة بتعيين بديل لانعدام الكيمياء بينهما، ومع عودة العماد ميشال عون بدأ التداول بأسماء خليفة الحاكم، وكانت المرّة الأولى التي يطرح فيها إسما مدير عام المالية آنذاك آلان بيفاني والاقتصادي منصور بطيش، ولكنه فضل الإستعانة بأسماء من الخارج مثل بوول روفايل وفيليب جبر، ولكنهما رفضا العرض. وبموجب الاتفاق مع سعد الحريري قبل عون بالتمديد لسلامة في مجلس الوزراء في 24 أيار 2017. وجاء في المادة الأولى من المرسوم رقم 790 تاريخ 2/6/2017 "يجدد تعيين السيد رياض توفيق سلامة حاكما لمصرف لبنان لمدة ست سنوات اعتباراً من 1/8/2017".
وإبان حكومة الرئيس حسان دياب وبدء الأزمة المالية وارتفاع سعر الصرف، تجدد التوجه لاستبدال الحاكم، فتم التداول بالأسماء ذاتها يضاف إليهم إسم الوزير السابق جهاد أزعور الذي فضّل الإستمرار في منصبه في صندوق النقد الدولي. ولاحقاً أضيف اسم المصرفي سمير عساف المقرّب من الإليزيه وتربطه علاقة وثيقة بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
اليوم ومع اقتراب تاريخ إنتهاء ولاية سلامة واستحالة التمديد له مجدداً بعد الكلام عن رفع الغطاء عنه محلياً ودولياً، تطرح خلف الكواليس أسماء المرشحين لخلافته.
بعد بلوغ المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم السن القانونية وتسلّم مهامه بالنيابة العميد الياس البيسري، ما يعني أن المديرية التي باتت تحتسب من حصة الشيعة منذ تعيين اللواء جميل السيد مديرها العام عام 1998 خلفاً لريمون روفايل، جُيِّر المنصب بالوكالة إلى المسيحيين أو هي عادت إليهم حسب ما اعتبر البعض.
سابقة تسلّم المسيحي مكان الشيعي، طرحت علامات استفهام حول ما ستؤول اليه أحوال حاكمية مصرف لبنان متى إنتهت ولاية الحاكم الحالي، خاصّة وأن نائبه وسيم منصوري من الطائفة الشيعية. يمكن تصوّر ما سيكون عليه وضع المسيحيين في حينه، لأن الفراغ سيصيب مركزين بالغا الحساسية، وهما رأس الدولة، أي رئاسة الجمهورية وحاكمية مصرف لبنان. ومن المتوقع أن يلقي المسيحيون الحرم الشرعي على تسلّم نائب حاكم شيعي المهمة. فهل يكون المخرج من خلال تعيين بديل تتولاه حكومة تصريف الأعمال؟
بصرف النّظر عن الأسماء وفي سياق الفلسفة السياسية للموضوع الإقتصادي والمالي، يعتبر كثيرون أن اسم الحاكم على أهميته لا يلغي واقعاً يقول، لا يمكن لحاكمية مصرف لبنان أن تستمر في المرحلة المقبلة كما كانت عليه منذ عهد الإستقلال، ومنذ تاريخ تأسيس المصرف وإعداد قانون النقد والتسليف. الحاكمية في ولايتها الجديدة يجب أن تكون بفعل الأحداث والوقائع مختلفة تماماً، وهي أمام تحدي إرساء بنية إصلاحية جديدة في المصرف المركزي وفي دور القطاع المصرفي ككل. كان يفترض بحاكمية مصرف لبنان بحسب قانون النقد والتسليف حماية النقد اللبناني وأموال المودعين لكنها فشلت، لا بل كانت سبباً في ما آلت اليه الأوضاع.
يراهن فريق سياسي وازن على استحالة إعادة إنتخاب الحاكم في سياق الظروف ذاتها والشروط وبنفس الصلاحيات، ولا بد من تقديم قراءة لقانون النقد والتسليف والعودة إلى فصل السلطات داخل الحاكمية، فلا يجوز مثلاً أن تتعطل بورصة بيروت ويتولى الحاكم رئاسة هيئة الأسواق المالية التي يفترض بها أن تكون الجهاز الذي يراقب المصرف المركزي.
مصادر متابعة عن كثب لملف الحاكم المركزي تقول طالما لا اتفاق محلّي بعد على إنتخاب رئيس للجمهورية، ولا وصلت أصداء كلمة السر إلى من يعنيهم الأمر، فإن الحاكمية في مهبّ المجهول وسط سيناريوهات عديدة سيئة بمجملها. وتتفاوت الآراء بين من يرى أن تعيين الحاكم لا يحتاج إلى مجلس نواب وجلسة تشريعية، وبالتالي يمكن لحكومة تصريف الأعمال تعيين البديل، فيما يرى آخرون أن الحكومة بذلك تكون قد إرتكبت سابقة لأن التعيين لا يدخل في النطاق الضيق لتسيير أعمالها المتفق عليه سياسياً.
أمّا السيناريو الأقرب في حال الإختلاف على صلاحيات الحكومة في التعيين فهو تسلّم نائب الحاكم الشيعي مهام الحاكم إلى حين تعيين البديل، وذلك التزاماً بما ينصّ عليه قانون النقد والتسليف، أما وقد تسلّمت شخصية مسيحية مهام المدير العام الشيعي، فلن يكون من المنطقي معارضة الموارنة لتسلم نائب الحاكم الشيعي مهام الحاكمية.
قد يكون من السابق لأوانه استشعار ما قد يترتب على إنتهاء ولاية الحاكم وما الذي سيجري من أحداث وتطورات مالية وإقتصادية في ظل الإرتفاع غير المسبوق لسعر صرف الدولار مقابل العملة المحلية. لكن الفترة الفاصلة وهي أقل من خمسة أشهر لا تلغي التداول بأسماء مرشحين كثر لموقع الحاكمية، ومن بينهم عساف وأزعور الذي أبلغ رغبته بالرئاسة وليس بالحاكمية، كما يتم التداول باسم وزير العمل السابق كميل أبو سليمان المحسوب عل القوات اللبنانية ما يجعل تعيينه عرضة لمعارضة حزب الله.
تنهي مصادر سياسية قولها بالتأكيد أن البديل عن سلامة سيكون سبباً لأزمة مستقبلية لكن النقاش بشأنه حسم بين المعنيين بضرورة الإلتزام بأن يتسلم نائب الحاكم الأول مهامه إلى حين انتخاب رئيس وتعيين البديل، ولكن وفق المعطيات الحالية فالإنتخاب مستبعد، إلّا في حال حصول طارئ يحدث تغييراً وانعطافة كبيرة في مسار الأحداث.
أمّا المفاجأة الأكبر فستكون في حال رفض نائب الحاكم الأول الإستمرار، وطلب التنحّي، وهو قد يفعلها حسب ما ينقل مقربون، فإن معطيات كثيرة ستتغير وتتبدل وستفتح على أزمة أكبر وأعمق خاصّة وأن القانون ينصّ على حصر المهام بالنائب الأول دون سواه.