في صيف عام 1945، في أعقاب الحرب العالمية الثانية، بدأ عصر جيوسياسي جديد. ففي 26 يونيو، وقّعت خمسون دولة في سان فرانسيسكو ميثاق تأسيس منظمة الأمم المتحدة (الأمم المتحدة)، معلنة نهاية عصبة الأمم وميلاد نظام عالمي جديد. هذا الحدث التاريخي يعكس رغبة الحلفاء في تحويل تعاونهم العسكري خلال الحرب إلى شكل سياسي ودبلوماسي دائم.

كان الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت صاحب المبادرة، حيث كان يحلم بحكومة عالمية تحت قيادة الولايات المتحدة. أصبحت الأمم المتحدة إحدى ركائز هذا النظام الجديد، إلى جانب البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وهما مؤسستان تهدفان إلى استقرار الاقتصاد العالمي.

بدأ مؤتمر سان فرانسيسكو في 25 أبريل 1945، بينما كانت ألمانيا النازية على وشك الاستسلام. جمع المؤتمر تنوعًا مذهلاً من الدول: جميع دول الأمريكتين، ومعظم دول أوروبا (باستثناء القوى المهزومة مثل ألمانيا وإيطاليا)، ومستعمرات التاج البريطاني، والاتحاد السوفيتي مع جمهوريتين اتحاديتين تابعتين له (أوكرانيا وبيلاروس)، والدول المستقلة في إفريقيا وآسيا، باستثناء اليابان التي كانت لا تزال في حالة حرب. حضر المؤتمر ما يقرب من 3,500 مشارك، من دبلوماسيين وصحفيين وممثلين عن منظمات غير حكومية. كانت الولايات المتحدة الدولة الوحيدة التي تمتلك البنية التحتية والاستقرار اللازمين لاستضافة مثل هذا الحدث – ومن هنا جاء اختيار سان فرانسيسكو.

وراء الأجواء الودية والزهور، كما وصفها الكاتب إي. بي. وايت، كانت تخفي هذه المناسبة رهانات سياسية كبيرة. فقد بدأ العالم يتحول إلى نظام تهيمن عليه القوة الاقتصادية والعسكرية الأمريكية. في عام 1945، كانت الولايات المتحدة تمثل وحدها 59% من الناتج القومي الإجمالي العالمي، متقدمة بفارق كبير عن الاتحاد السوفيتي والمملكة المتحدة، رغم كونهما منتصرين أيضًا. أما أوروبا القارية فكانت منهكة: الاقتصاد الفرنسي انخفض بنسبة 46%، الألماني 40%، والياباني 57%.

ظهرت فكرة "الأمم المتحدة" أول مرة في عام 1942، عندما أعلن الحلفاء اتحادهم ضد دول المحور. في البداية كانت تشير إلى التحالف العسكري، لكنها سرعان ما تحولت إلى طموح أوسع: إنشاء إطار مؤسسي عالمي قائم على السلام والعدالة وحقوق الإنسان – نقيض الإيديولوجية النازية الشمولية. نصوص تأسيسية مثل ميثاق الأطلسي (أغسطس 1941) وإعلان سانت جيمس (يونيو 1941) وضعت الأسس الأخلاقية والسياسية لهذا التصور. وتم توضيح هذه المبادئ تدريجيًا خلال قمم موسكو وطهران ويالطا وبوتسدام.

أما المناقشات العملية لتشكيل هذه المنظمة المستقبلية فقد جرت في دومبارتون أوكس في واشنطن، بين أغسطس وأكتوبر 1944، حيث صاغ الدبلوماسيون الأمريكيون والسوفييت والبريطانيون هيكل الأمم المتحدة، الذي شمل الجمعية العامة ومجلس الأمن الذي تهيمن عليه خمس دول دائمة العضوية (الولايات المتحدة، الاتحاد السوفيتي، المملكة المتحدة، الصين، وبعد مفاوضات، فرنسا). كل عضو دائم يمتلك حق النقض (الفيتو)، مما يضمن توازن القوى. ورغم أن فرنسا كانت مستبعدة في البداية، فقد نجحت في العودة إلى الساحة الدبلوماسية بفضل براعة ممثليها، ولا سيما جورج بيدو ورينيه كاسان.

كان روزفلت يتخيل الأمم المتحدة تحت النفوذ الأمريكي كضامن للسلام العالمي المنظم. أما ستالين فكان يراها أداة لخدمة المصالح السوفيتية وتعزيز نفوذه. بينما كان تشرشل يسعى للحفاظ على مكانة الإمبراطورية البريطانية في العالم ما بعد الحرب. الجميع كان يدافع عن مصالحه، لكنهم جميعًا أرادوا تجنب اندلاع حرب عالمية جديدة.

لم يكن مؤتمر سان فرانسيسكو شكليًا فقط، بل شهد مفاوضات حادة. تم الاتفاق في النهاية على هيكل الأمم المتحدة، لكنه كان يحتوي بالفعل على بذور الحرب الباردة المستقبلية. ففي عام 1946، بدأ الاتحاد السوفيتي بالانسحاب وعرقلة بعض المبادرات، مما جعل الأمم المتحدة تلعب دورًا شبيهًا بعصبة الأمم. ومع ذلك، أعاد الغرب إحياء النظام متعدد الأطراف بوسائل أخرى: البنك الدولي، صندوق النقد الدولي، منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، اتفاقية الجات، ثم حلف الناتو. وقد ساهمت هذه المؤسسات، التي نشأت من نفس الدينامية، في إعادة إعمار أوروبا وضمان الهيمنة الأمريكية لعقود.

أما الأمم المتحدة، فقد اتخذت من نيويورك مقرًا دائمًا لها، في دلالة واضحة على الهيمنة الأمريكية. ورغم محدوديتها، لا تزال الأمم المتحدة أحد أكثر أطر الحوار الدولي استمرارية حتى اليوم.