بعد أحد عشر عاماً من غياب التسعيرة الموحّدة، أطلقت وزارة الأشغال العامة والنقل في لبنان حملة لتنظيم أسعار سيارات الأجرة من مطار بيروت الدولي إلى مختلف المناطق اللبنانية، في خطوة وُصفت بأنها ضرورية لضبط الفوضى التي سادت هذا القطاع الحيوي طيلة السنوات الماضية. وقد جاءت هذه الحملة تحت شعارين لافتين: "من هلّق ورايح... السعر صار واضح"، و"تاكسي المطار... مش لعبة أسعار!"، في رسالة مباشرة إلى الركاب والسائقين على حدّ سواء، بأن زمن الغموض في الأسعار قد انتهى.
كيف أصبحت التسعيرة الجديدة؟
وبحسب البيان الرسمي الصادر عن الوزارة، باتت التسعيرة الرسمية محددة بالدولار الأميركي أو بما يعادله بالليرة اللبنانية وفق سعر السوق الموازي، على أن يُلاحق قانونياً كل من يتجاوز التسعيرة المعتمدة. ولتسهيل اطلاع الركاب، تم اعتماد رمز QR يُعرض داخل المطار وعلى المنشورات الرسمية، يمكّن أي مسافر من الوصول إلى جدول مفصّل بالأسعار من المطار إلى مختلف المناطق اللبنانية. ومن أبرز ما تضمّنه الجدول، تسعيرة 18 دولاراً لبيروت، 43 دولاراً لجبيل، 57 دولاراً لطرابلس، 49 دولاراً لصيدا، 60 دولاراً لصور، و27 دولاراً لعاليه.
خطوة ضرورية ولكن متأخرة
وفي تعليقه على القرار، رأى الخبير في شؤون النقل المهندس حسن بدران أن هذه الخطوة "ضرورية وقد تأخرت كثيراً"، مشيراً إلى أن غياب التسعيرة الرسمية خلال الأعوام الماضية فتح المجال أمام الفوضى والاستغلال، لا سيّما للسياح الذين كثيراً ما دفعوا أضعاف السعر الحقيقي دون وجود مرجعية يمكن الاعتماد عليها. واعتبر بدران أن "التسعيرة الواضحة ستعيد بعضاً من المهنية إلى هذا القطاع، وتُحسّن صورة لبنان كبلد سياحي يستقبل الزوار بطريقة حضارية".
اعتراض على القرار
إلا أن هذا القرار لم يمرّ دون تحفظ من قبل عدد من سائقي سيارات الأجرة، الذين رأوا في التسعيرات الحالية ظلماً في بعض الحالات، خاصة في ظل ارتفاع تكاليف التشغيل. السائق أبو رامي، الذي يعمل على خط جبيل – بيروت، أكد أن السعر المحدد نظرياً يبدو مقبولاً، لكنه لا يأخذ في الحسبان تقلبات أسعار المحروقات وتكاليف الصيانة والضرائب الخفية التي يتكبّدها السائق يومياً. ويضيف: "إذا تعطّلت السيارة، أو ارتفع البنزين فجأة، ما بيضل معنا شي. غير إنو في سواق بياخدوا زيادة وما حدا بيحاسبهم".
بدوره، أشار السائق فادي إلى غياب أي آلية عادلة لمراجعة التسعيرة بشكل دوري، منتقداً تجاهل عوامل مثل زحمة السير وأوقات الذروة. وقال: "نحن ما ضد التسعيرة، بس لازم تكون مرنة ومتغيّرة مع الواقع، مش ثابتة وكأنو كل شي بخير".
العبرة في التنفيذِ
ورغم أن هذه الخطوة تحمل نوايا إصلاحية واضحة، إلا أن نجاحها الفعلي يبقى رهن التنفيذ الفعلي على الأرض. فلبنان يواجه أزمة ثقة بين المواطن والدولة، وأي قرار لا يُطبّق بصرامة ومراقبة لن يكتب له النجاح. والتساؤل المطروح اليوم هو: هل سيتمكن المسافر من حماية حقه إذا تعرّض لاستغلال؟ وهل ستضع الوزارة آلية سريعة لتقديم الشكاوى ومحاسبة المخالفين؟
في المحصّلة، فإن توحيد تسعيرة التاكسي من مطار بيروت يمثّل خطوة تنظيمية طال انتظارها، يمكن أن تُحدث فرقاً حقيقياً في تجربة الزوّار والمواطنين على حدّ سواء، إذا ما قُرن القرار بالرقابة الصارمة والتحديث المستمر للأسعار. وبين التفاؤل الرسمي والتوجّس الشعبي، يبقى التنفيذ هو الحكم الوحيد على مدى نجاح هذه المبادرة في تحويل "تاكسي المطار" من مصدر تذمّر… إلى واجهة حضارية للبنان.