ما شهدته السويداء يعتبره وليد جنبلاط مؤشراً خطيراً على مستقبل الدروز في سوريا، وانعكاساته قد تمتد إلى لبنان. النظام السوري، الذي كان أول من زاره جنبلاط والتجأ إليه لحماية طائفته، لم ينجح في تبديد مخاوفه.

بعد سقوط النظام السابق في سوريا، أسّس جنبلاط موقفه على أمرين: أولاً، أنه من الطبيعي أن يكون صديقاً للنظام الجديد بديلاً عن النظام الذي قتل والده؛ وثانياً، أن اصطفافه خارج نظام الأسد وفّر له مكاسب داخلية في اللعبة السياسية اللبنانية. هذا التحوّل بدأ فعلياً بعد اغتيال رفيق الحريري، إذ بدا كمن ينتظر "على ضفاف النهر جثث أعدائه".

لكن ما شهدته سوريا منذ تسلُّم الرئيس الجديد لم يكن مطمئناً. أولى إشارات القلق ظهرت في إدلب خلال فترة الثورة، حيث بدا واضحاً رفض الجماعات التكفيرية المتشددة لأي آخر.

زيارة جنبلاط إلى فاروق الشرع لم تثمر كما كان يأمل. انطلق جنبلاط في زيارته من أساسين: اعتقاده بأن الشرع يمكن أن يحظى بخصوصية في التعامل مع الأقليات ويحفظ للدروز دورهم داخل النظام، وظنه أن تأثيره على دروز سوريا سيكون مشابهاً لتأثيره على دروز لبنان. لكن بحسب المتابعين، لم تبدد الزيارة مخاوف جنبلاط، الذي لم يكن مرتاحاً لما سمعه من الشرع، بسبب الشوائب التي شابت الزيارة شكلاً ومضموناً.

شعر جنبلاط أن الشرع لا يرغب بتدخله في شؤون دروز سوريا. ومع الوقت، بدأت تظهر أصوات داخل دروز سوريا تبتعد عن مرجعيتهم التقليدية في لبنان، وعلى رأسها الشيخ حكمت الهجري، الذي بدأ يميز نفسه ويتناغم مع خطاب الشيخ موفق طريف. هذا الأمر لم يلقَ ارتياحاً من جنبلاط، بل قابله بنوع من الابتعاد.

هذه العوامل مجتمعة عززت قلق جنبلاط، خصوصاً وانه اعتقد مخطئاً أن الدول الراعية للنظام، مثل السعودية وتركيا، ستسهم في تقوية علاقته مع الشرع. لكنه، وبعد لقائه الشرع، زادت مخاوفه فتوجّه إلى تركيا علّه يجد تطمينات هناك.

كان يظن أن تطورات سوريا ستنعكس إيجاباً على علاقته بالسعودية، وأن الرعاية الأميركية للشرع ستساهم في حماية دروز سوريا. لكن أحداث الساحل زادت منسوب قلقه، واعتبرها مؤشراً خطيراً لطريقة تعاطي النظام مع الأقليات، وخشية من تكرار الأخطاء.

ورغم ذلك، وعلى الرغم لارغم من كل ما حصل لم يجد جنبلاط بديلا عن مطالبة الدروز بالبقاء ضمن النظام والاحتماء بالدولة، محذراً في الوقت ذاته من الرهان على إسرائيل، التي يدرك جيداً أن جانبها لا يُؤمَن، وأن مصالحها تسبق علاقاتها بالآخرين، ولن تتوانى عن التخلي عنهم لاحقاً.

مقاربة جنبلاط الانفتاحية تجاه النظام لم تلقَ ترحيباً في أوساط درزية واسعة، سواء في سوريا أو لبنان. في لبنان، تزايدت الأصوات المعارضة داخل البيئة الدرزية، معتبرة تسليم السلاح، الذي أعلنه جنبلاط، خطأً في توقيت دقيق ومليء بالمخاطر، إذ لا يمكن مواجهة التحديات بالخوف وحده.

ثم جاءت أحداث السويداء، بعد تراكمات بدأت منذ تسلُّم أحمد الشرع السلطة، لتفجّر الأمور. وهكذا، وجد جنبلاط نفسه بين مطرقة الموقف من النظام، وسندان القبول بالحماية الإسرائيلية للدروز.

برز حينها اتجاهان: الأول، بقيادة جنبلاط، يدعو إلى معالجة الأمور مع النظام السوري؛ والثاني، يرى في النظام مراوغةً مستمرة، ويطالب بالاحتماء بإسرائيل. فكان خطاب جنبلاط حبيس هذين الموقفين، مع تمسكه بعدم الرهان على إسرائيل.

قلق جنبلاط لا يقتصر على سوريا، بل يمتد إلى لبنان مع تزايد الاحتقان في الشارع، وارتفاع الأصوات الداعية إلى التسلح والمشاركة في المواجهة. هناك من يرى أن خطاب جنبلاط بات ضعيفاً وغير متناسب مع حجم التحديات التي تواجه الطائفة.

وما زاد الطين بلة هو التوتر مع العشائر، والذي يعتبره جنبلاط مصدر قلق مضاعف من احتمال تصاعد الاحتقان المذهبي، لا سيما أن النظام السوري انتحل صفة العشائر في المواجهة مع الدروز، مضيفاً تعقيداً على المشهد.

همّ جنبلاط كبير، ومخاوفه أكبر. يسعى جاهداً إلى لجم الخطر عبر حشد التفاف درزي داخلي في لبنان، ومنع تمدُّد شرارات الحرب إلى الجبل وجيرانه السنة. خلال استقباله الموفد الأميركي، كشف جنبلاط هواجسه حيال السويداء وإمكانية انتقال الخطر إلى لبنان. وهو اليوم، بعد أن أعلن تسليم سلاحه، بات مكشوفاً عسكرياً.

الرجل الذي فكر بزيارة سوريا مجدّداً لم يلقَ ترحيباً، ما شكّل مؤشراً أولياً على توتر العلاقة بينه وبين النظام. يبدو أن الشرع يريد أن يحكم سوريا بمن فيها، ولكن في دولة تعيش قلقاً وجودياً، لا شيء يضمن عدم تكرار ما واجهه الدروز مع الأكراد الرافضين لتسليم سلاحهم، أو مع العلويين أو المسيحيين.

جنبلاط، الذي عاش منذ اغتيال والده في ظل قلق دائم، كان يأمل أن يورّث نجله طائفة معافاة تلتف حوله. لكن الرياح السورية لم تجرِ كما يشتهي.

وماذا بعد؟

حتى جنبلاط نفسه بات لا يجاهر بهذا السؤال علناً، فيما لم تعد "راداراته السياسية" تسعفه في إيجاد الجواب.