الصفا

صفعة جديدة تلقاها القضاء اللبناني بالأمس، وهي تكاد تكون طعنة باستقلاليته، رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي يوجه كتاباً إلى وزير الداخلية والبلديات القاضي بسام المولوي، يحدد فيه شروط عمل القضاء وكيف يمكن له "أن يمارس مهامه كاملة باستقلالية مطلقة دون أي تدخل من قبل أي سلطة أو جهاز".

لا داعي للخوض في تفاصيل الكتاب الذي تجاوب معه الوزير المولوي وطلب بموجبه من قوى الأمن الداخلي والأمن العام "عدم تأمين المؤازرة أو تنفيذ إشارة أو قرار يصدر عن النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضية غادة عون..."

[gallery ids="4853,4851,4849"]

تأتي هذه التطورات القضائية فيما لا لم ينسَ اللبنانيون بعد ما جرى بين مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات والمحقق العدلي طارق بيطار حيث أخلى عويدات سبيل جميع الموقوفين في قضية انفجار المرفأ وإعلان البيطار من جهته عدم أهلية عويدات لطلبه للمثول أمامه، متمسكاً بالادعاء عليه في قضية تفجير المرفأ.

وكان الوضع المصرفي في لبنان موضوع زيارة قام بها وفد قضائي أوروبي إلى بيروت حيث اجتمع إلى عدد من القضاة كما استمع إلى عدد من مسؤولي القطاع المصرفي اللبناني. خصوصاً وأن رعايا العديد من الدول الغربية رفعوا دعاوى قضائية ضد مصارف لبنانية على خلفية احتجازها لاموالهم.

كتاب ميقاتي الذي أعقبه بكتاب توضيحي كما كتاب مولوي إلى الأجهزة الأمنية، كانت موضع استنكار واستهجان. بداية اعتبر "نادي قضاة لبنان" في بيان له، أن "كلا من رئيس الحكومة ووزير الداخلية آثرا أن يذكرا الشعب اللبناني اليوم بأنهما وسائر الطبقة السياسية في البلاد يعيشون في زمن القرون الوسطى حيث لا قانون ولا شريعة تعلو على إرادة "الأسياد". فلم يتورّعا عن الطلب من القوى الأمنية عدم تنفيذ قرارات قضائية صادرة عن النائب العام الإستئنافي في جبل لبنان، وذلك لأسباب وحجج متصلة بعملها كقاضٍ لا يعود لهما أمر تقييمها أو ترتيب نتائج قانونية عليها، لأن تصويب الأفعال المشكو منها والمحاسبة يعودان للمراجع القضائية المختصة".

ووصف نادي قضاة لبنان ما جرى بأنه "تدخّل سافر يشكّل خطيئة كبرى وسابقة خطيرة تجافي أبسط المبادئ القانونية، وينبغي الرجوع عنها فوراً من دون إبطاء."  داعياً "المراجع القضائية ووزير العدل إلى التصدي لهذا الإعتداء السافر مع احتفاظه لنفسه بحق اتخاذ أي موقف إضافي تصعيدي عند الإقتضاء".

وأفادت الوكالة الوطنية للإعلام أن محتجين نفذوا وقفة تضامنية مع القاضية غادة عون أمام قصر العدل في بعبدا.

القاضية عون نشرت على حسابها في موقع تويتر تغريدة ردت فيها على وزير الداخلية مذكرة إياه بأنه كان قاضياً، ووصفت ما جرى بأنه تدخل غير مسبوق في عمل القضاء

https://twitter.com/ghadaaoun4/status/1628398244068749319?s=20

وكانت القاضية عون قد اجرت ولا تزال تحقيقات في قضية المصرف المركزي كما مع بعض المصارف في لبنان. وكان وكلاء بعض هذه المصارف قد تقدموا بطلبات رد ضد القاضية عون. والجدير ذكره أن المصارف اللبنانية ترفض رد أموال المودعين منذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية في 17 تشرين الأول 2019، وقد عمدت أخيراً إلى الإضراب للضغط على القضاء للتراجع عن ملاحقتها استجابة لدعاوى قضائية ضدها.

ويتم تصوير المعركة القضائية ضد المصارف على أنها معركة سياسية، كون القاضية عون مقرّبة من التيار الوطني الحر، وعلى المقلب الآخر تقف المصارف وحاكم المركزي رياض سلامة الذي لا يزال يتمتع بدعم معلن من رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي وآخرين، إضافة إلى الدعم المضمر من جهات أخرى. واللافت أن قناة الحدث السعودية نقلت عن مصادر في وزارة الخزانة الأميركية عن كشفها لعلاقة تربط سلامة بحزب الله، وهو ما تم نفيه لاحقا وسحب الخبر من الموقع، إلّا أن الموضوع لا يزال موضع أخذ ورد.

وفي أحدث تعليق له على هذا الأمر، ورداً على سؤال حول الاتهام الموجّه للثنائي الشيعي (أمل وحزب الله) بالعمل على التمديد لرياض سلامة كحاكم لمصرف لبنان، أجاب نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم في مقابلة مع صحيفة الأخبار "قطعاً، لسنا مع التمديد لرياض سلامة في حاكمية مصرف لبنان، ونحن مع استمرار التدقيق الجنائي ليصل إلى خواتيمه، ويُبنى عليه الموقف الرسمي من الحاكم."

ومن المعلوم أن ولاية حاكم مصرف لبنان تنتهي في نهاية أيار 2023 وقد أمضى رياض سلامة 30 سنة في موقع الحاكمية حاز خلالها على العديد من الجوائز العالمية كأفضل حاكم مصرف مركزي عربي وكأفضل حاكم مصرف مركزي في العالم وحاز عدة جوائز كأفضل متداول للأسهم في العالم حتى أن بعض وسائل الإعلام نشرت عنه تحقيقات تحت عناوين مثل "سيرة مليئة بالإنجازات".