بين الخطوط الحمراء وتحت وطأة العدوان الإسرائيلي المتواصل، تدرس اللجنة الثلاثية اللبنانية الرد على الورقة الأميركية الأخيرة. الوقت يَدهَم، ومن المفترض أن يكون هذا الرد جاهزاً مع وصول الموفد الأميركي توم برّاك الأسبوع المقبل لتسلّمه ومناقشته مع الجانب اللبناني.

ما ورد في الورقة الأميركية يُفصح عن شروط إسرائيلية بصياغة أميركية، يُطلب من لبنان تنفيذها، بينما لا تزال إسرائيل تحتل الأراضي، وتعتدي على السكان، وتُمعن في رسم حدودها الأمنية جنوباً.

تقترح الورقة على لبنان الالتزام بمهلة زمنية لسحب سلاح "حزب الله"، وتطالبه بجدولة تنفيذية لذلك، وتشرك الجيش اللبناني في العملية، إذ يُفترض به وضع خطة زمنية وانتشارية للجنوب.

عدة بنود تُعدّ بمثابة شروط، يدرسها لبنان بدقة، وسط توجّه لإعادة التأكيد على التزامه بالقرارات الدولية واتفاق وقف إطلاق النار، والمطالبة بالحصول على ضمانات لانسحاب إسرائيلي وشيك ووقف العدوان.

تريد الولايات المتحدة من لبنان إعلان التزامه بكل ما ورد في الورقة من حصرية السلاح، وتسليم السلاح الثقيل والمطيَّرات، ثم السلاح الخفيف، في الجنوب والبقاع وبيروت. كما تشمل الورقة مسألة السلاح الفلسطيني، خصوصاً في مخيمات الجنوب.

لبنان في مأزق. هذا ما توحي به مجريات الأحداث من حوله. فـ "ورقة الشروط" تكاد تكون مستعصية على الحل، في ظل رفض الولايات المتحدة منح أي ضمانات لانسحاب إسرائيلي أو وقف للعدوان. في المقابل، لا يبدو ممكناً أن يسلّم "حزب الله" سلاحه، وهو الذي التزم اتفاق وقف إطلاق النار، بينما لم تلتزم إسرائيل بمفاعيله، واستمرت في احتلالها.

زادت أحداث سوريا من تعقيد مسألة السلاح في لبنان. ما واجهه الدروز في السويداء، وما تعرض له العلويون، والمسيحيون في بعض المناطق، عزّز المخاوف من المشروع الإسرائيلي في المنطقة. سوريا التي منح رئيسها امتيازات للغرب، وحظي بدعم دولي وتركي، لم ينجُ من عدوان إسرائيل التي جرّدته من سلطته المعنوية والعسكرية عبر استهداف وزارة الدفاع وقصر الشعب، وتوسيع احتلالها لأراضٍ سورية.

في الورقة الأولى كما في الحالية قيد النقاش، يركّز لبنان على تنفيذ القرارات الدولية، من اتفاق الهدنة، مرورًا بالقرار 1701، وصولاً إلى اتفاق وقف إطلاق النار، ويؤكد التزامه بها، وعلى الحوار مع "حزب الله" في ملف السلاح. كما يحاذر في ردوده استخدام لهجة استفزازية تجاه الغرب، حتى لا يمنح إسرائيل ذريعة للتصعيد. ومن المتوقع ألا يخرج الرد المنتظَر عن هذه القاعدة.

المطلوب، بحسب الموقف اللبناني، هو التزام إسرائيل بالانسحاب ووقف العدوان، قبل أي حديث عن سحب السلاح أو تطبيق معادلة "خطوة مقابل خطوة"، على أن تبدأ إسرائيل بخطوتها الأولى.

اللافت أن الورقة الأميركية الثانية، في مضمونها، تجاهلت ما قدّمه لبنان في رده على الورقة الأولى، وكأن شيئاً لم يكن، وقدّمت مجموعة جديدة من الشروط، رغم أن برّاك كان على علم بمضمون الرد اللبناني وأبدى رضاه عنه.

ولا يبدو الحديث عن تناقض في مواقف برّاك مبالغاً فيه. فمن جهة يعبّر عن رضاه، ومن جهة أخرى لا يعلن موقف بلاده، بل يعود حاملاً رزمة جديدة من الشروط، وهو الذي سبق أن أقرّ بأن نزع السلاح بالقوة قد يؤدي إلى حرب أهلية. عاد اليوم ليطلب مهلة زمنية لنزعه، ويزجّ الجيش في المسألة، متهماً إياه بالتقصير، وكأن المطلوب أميركياً أن يصطدم الجيش بـ "حزب الله".

منطق الدولة اللبنانية يقوم على المطالبة بضمانات أميركية مقابل التزام إسرائيل بالانسحاب أو وقف العدوان، في مقابل استعداد لبنان للدخول في حوار حول حصرية السلاح. بمعنى آخر، المطلوب من الولايات المتحدة دعم الموقف اللبناني، وسحب ذريعة "السلاح" التي تستند إليها إسرائيل، ليتسنى للدولة التفاوض من موقع قوة وفرض معادلاتها، لا أن يُطلب منها سحب السلاح بينما يستمر الاحتلال والعدوان.

في كل الأحوال، فإن لبنان يواجه مخاضاً عسيراً، ولا يُعرف كيف سيخوضه، أو ما إذا كان الضغط الإسرائيلي عبر العدوان سيُستخدم مجدداً وسيلة للتفاوض تحت النار، كما سبق وهدّد برّاك بقوله: "لا تراهنوا على صبر ترامب"، مشيراً إلى إمكانية ترك لبنان لمصيره.

لقد عقـّدت أحداث سوريا مسألة سحب السلاح في لبنان. فكيف يُسلّم الشيعي سلاحه في الوقت الذي أعادت أحداث السويداء دفع الدروز إلى التفكير مجددًا بالتسلّح؟ إنها معادلة شائكة، وسط سيناريو لا يستبعده "حزب الله"، وهو أن تطبيق معادلة "نزع السلاح" قد يفتح الباب أمام تمدد إسرائيلي من الجنوب والحدود مع سوريا نحو البقاع.

ربما يراهن لبنان على عامل الوقت، فإما أن تُمارَس ضغوط أميركية تُجبر إسرائيل على اتخاذ خطوات جديّة، أو يُطلق العنان لعدوانها كما في سوريا، لفرض واقع أمني تكرّسه القوة.