بعد طول انتظار، أبصرت هيئتان ناظمتان النور في لبنان. الأولى للطيران المدني، كانت قد "حملت" بها السلطة في مؤتمر "باريس 2"، في العام 2002. والثانية للقنب الهندي، بقيت في بطن السلطة منذ العام 2020. ولادة "عجائبية" لتوأمين، يُنتظر منهما النهوض بقطاعي الزراعة والطيران المدني، من خلال تنظيم حديث لشؤون الادارة والاستثمار، والاشراف والرقابة في مختلف القطاعات المتعلقة بهذين المجالين.

في جلسته الاخيرة، عيَّن ​مجلس الوزراء​ رئيس وأعضاء "الهيئة الناظمة لزراعة نبتة القنب للاستخدام الطبي والصناعي"، و"الهيئة العامة للطيران المدني". فعُين داني فاضل رئيساً لهيئة القنب الهندي، والأعضاء ماري تيريز مطر، العقيد أيمن مشموشي، دانا حيدر، مروان جوهر، القاضي جوزف تامر، ومحمد علي مروة. كذلك عُين محمد عزيز رئيساً للهيئة العامة للطيران المدني، والأعضاء حاتم ذبيان، ربيع الخطيب، مارك حداد، وأنجيلا عواد.

المطلوب من هيئة الطيران

انطلاقاً من نطاق عمل "الهيئة العامة للطيران المدني" المدرج في القانون رقم 481/2002، وبالنظر إلى أبرز المشاكل التي يعاني منها هذا القطاع، على الهيئة أن تبدأ العمل فوراً على أربعة مسارات متوازية:

- المسار الاول، الفصل بين شؤون التنظيم والإشراف والرقابة من جهة، وشؤون الاستثمار والتشغيل من جهة ثانية، حيث تتولى الهيئة تبعاً للقانون شؤون التنظيم والإشراف والرقابة، إضافة إلى الترخيص للمؤسسة التي ستتولى شؤون تجهيز واستثمار المطار ومختلف العمليات المرتبطة به.

- المسار الثاني، تطبيق النقطة 4 من الفقرة الثانية من المادة 6. وتنص على: "منح التراخيص بالعمل الجوي والنقل الجوي ضمن الممرات الجوية المخصصة للطيران المدني. وهو ما يتطلب تالياً رفع طلب إلى مجلس الوزراء بعدم التجديد لحصرية شركة الطيران الشرق الاوسط MEA المستمرة منذ العام 1968، والممدّدة للمرة الرابعة في أيلول 2024 ولمدة سنة وخمسة أشهر تنتهي في شباط 2026. وتكمن أهمية فتح المجال أمام إعطاء تراخيص جديدة لشركات طيران محلية بـ "تنويع المخاطر في الحرب وتعزيز السياحة في السلم"، بحسب دراسة للمعهد اللبناني لدراسات السوق - LIMS. هذا بالإضافة إلى تعزيز المنافسة وتخفيض الاسعار وزيادة عائدات الدولة، ورفع النمو الاقتصادي في البلد. خصوصاً أن ارتفاع كلفة الطيران إلى لبنان هو واحد من عدة أسباب لإحجام اللبنانيين المغتربين والسياح من المجيء في العطلات ومواسم السياحة. وقد حلّ لبنان في المرتبة 16 عربياً من أصل 19 في قدرته على استقطاب السياح القادمين إلى شرق المتوسط وشمال افريقيا، بحصة لا تتجاوز 2 في المئة.

- المسار الثالث، تحديد شروط الترخيص بإنشاء واستثمار المطارات المدنية كما تنص الفقرة الرابعة من المادة 6 من القانون 481، والإشراف على تطوير هذه المطارات المدنية والمرافق العائدة لها. ويأتي مطار الرئيس الشهيد رينه معوض في القليعات شمال لبنان في مقدمة هذه المطارات المفروض تشغيلها قريباً. يتبعه مطارا رياق وحالات، اللذان يمكن استخدامهما للطيران الداخلي أو الإقليمي.

- المسار الرابع، الاستعانة بالقطاع الخاص لتأمين العديد من النشاطات والخدمات في المطارات: وقد لحظ المشروع الحالي هذه الإمكانية وفقا للقواعد المنصوص عليها في قانون الخصخصة رقم 228 تاريخ 31/5/2000

هيئة القنب الهندي وتحديات التنظيم

بإقراره المرسوم التطبيقي الأهم بإنشاء الهيئة الناظمة، يكون لبنان قد انضم إلى الكثير من البلدان التي تشرّع زراعة القنب الهندي لأغراض طبية. ومن أبرز هذه البلدان: الأرجنتين، بلجيكا، أستراليا، النمسا، بوليفيا، البرازيل، كندا، كرواتيا، قبرص، تشيكيا، الدانمارك، فلسطين المحتلة "الكيان الاسرائيلي"، النرويج، روسيا، تركيا، وغيرها من الدول بعدد يصل إلى أكثر من 46 دولة حول العالم.

يعود للهيئة الحق الحصري بـ"منح التراخيص اللازمة لزراعة نبتة القنب والعمليات المتفرعة عنها بعد التأكد من الامتثال لأحكام القانون 178/2020 وشروطه. ومن المهم جداً الانطلاق بعد استلام المهام باستكمال الجهاز الإداري والبشري للقيام بالمهام، حتى لا تلقى مصير هيئة مكافحة الفساد، وهيئة الأسواق المالية، وهيئة الشراء العام، التي لم تستكمل تعييناتها وبناء أقسامها الإدارية رغم مرور سنوات على إقرارها وبدء عملها. ومن أبرز اللجان الواجب تشكيلها ضمن الهيئة، تبرز اللجنة المكلفة بتقييم طلبات الترخيص، والتأكد من مدى استيفائها الشروط والمعايير المفروضة قانوناً، إضافة إلى التحقق من أهلية الجهة طالبة الترخيص وفقًا لأحكام القانون ونصوصه التنظيمية.

الآمال على زراعة القنب الهندي كبيرة، خصوصاً أن هذه الزراعة تتناسب مع الظروف المناخية ونوعية التربة والطبيعة الجغرافية، ولاسيما في سهل البقاع عموماً وشماله خصوصاً. وهي لا تتطلب كميات كبيرة من المياه، ولا تصاب بالأمراض كغيرها من الزراعات التقليدية. وعلى الرغم من المبالغة في الإيرادات المتوقعة، التي سبق وقدرها وزير الزراعة السابق محمد مرتضى بنحو مليار دولار، فإن مقارنة المساحات التي يمكن زراعتها بالقنب الهندي، مع سعر بيع الكيلو الواحد المستخدم للأغراض الصناعية، وليس التهريب، ينتج عنه عوائد أقل. إذ إن كل ألف متر مربع، مزروع بنبتة القنب الهندي ينتج نحو 250 كلغ من زهرة القنّب، وبسعر قد يصل إلى 50 دولارا للكيلو. أما "حشيشة الكيف" المزروعة سراً والمهربة، فهي ما يولّد العائدات المرتفعة بسبب عدم شرعيتها. وفي جميع الحالات، فإن زراعة نحو 200 ألف هكتار من هذه النبتة قد تولد مداخيل تتراوح بين 200 و300 مليون دولار. وهو رقم مهم يمكن التعويل عليه لدعم المزارعين وتعزيز صمودهم في مناطقهم، خصوصاً في ظل ما تتعرض له الزراعات التقليدية من كساد، وآفات، وتراجع في التصدير. ومن المهم جداً إنشاء مختبرات وبنية تحتية ومصانع محلية لتعزيز الاستثمارات، والحد من تحكم الأسواق الخارجية عند نضوج الإنتاج.

بعد تعيين هيئتي القنب الهندي والطيران المدني، من المنتظر أن تستكمل الحكومة بقية التعيينات في الهيئتين الناظمتين للكهرباء والاتصالات، المقرّتين أيضًا بقوانين منذ عام 2002. لكن الأهم يبقى في إفساح المجال أمام هذه الهيئات للعمل، وترخيص المشاريع الجديدة، وعدم تعطيلها بالقيود البيروقراطية واستمرار تدخل الوزراء.