الصفا

يدرك رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي جيداً كيف يحضّر لانعقاد جلسة حكومية كل أسبوعين تقريباً. ضليع هو في تحويل الملفات المطروحة إلى أزمة وقضية رأي عام. في ظرف يومين كانت السراي الحكومي وجهة القطاع التربوي، وبين جدرانها ولدت خلية الأزمة التربوية ومن على منبرها هدد أهل القطاع باستمرار الإضراب وتم تظهير واقع القطاع المهدد بالإنهيار بجدارة. الأزمة موجودة وليست وليدة ساعتها، وهي كما غيرها من الملفات المتصلة بهموم الناس تستوجب معالجة، ويتم الأمر بجرعات حكومية متتالية بدل حصرها بجلسة واحدة بما يصب في مرمى ميقاتي السياسي ويخدم موقعه.

على خلفية أزمة القطاع التربوي سيدعو ميقاتي إلى جلسة حكومية الإثنين على أن تعقد الأربعاء المقبل على أبعد تقدير. نسّق للجلسة مع رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط وهما من أكثر المتحمسين لعودة المجلس إلى الانعقاد، أمّا حزب الله فأبلغه ميقاتي بالتواتر "إذا كنتم محرجين من الجلسة فنصابها مؤمن من دون حضور وزرائكم". لكن ليس معروفاً إذا ما كان حزب الله بوارد الحضور. القرار النهائي لم يتخذ بعد. بقدر ما يهمه تسيير الشؤون المتصلة بحياة الناس بقدر ما يحرص على تجنب توسيع الشرخ مع حليفه المسيحي رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل.

زيارة وفد كتلة الوفاء للمقاومة لرئيس الجمهورية السابق العماد ميشال عون والود الذي سادها وحديث رئيس الكتلة محمد رعد الإيجابي عن العلاقة مع التيار لا يلغي وجود الأزمة التي باتت تهدد مستقبل التحالف بينهما. "صار باسيل بعيداً" يقول حزب الله لكن ورغم ذلك يتمسك حزب الله بالعلاقة معه ويوليها أهمية لكن على حليفه أن يراعي خصوصيته وأن يلاقيه إلى مناقشة الأولويات بدل المقاطعة.

إذ يعتبر حزب الله أن الأوضاع تتدهور نحو الأسوأ بحيث لم يعد يمكن السيطرة عليها، تبقى الأولوية لرئاسة الجمهورية. وقد بدأ رئيس مجلس النواب نبيه بري في عملية حساب مع جنبلاط حول حظوظ المرشحين. يبدو رئيس المجلس أسرع إستعداداً من حزب الله للخروج من المراوحة بالتمسك بترشيح سليمان فرنجية. لم يعد يمانع الإنفتاح على خيارات أخرى ودعوته إلى الجلسة النيابية لن تكون قبل أن تتوافر أسماء مرشحين جديين يجرى التصويت لها. في السباق الرئاسي المحموم يظهر الموضوع الحكومي كملف صغير لا يستوجب النقاش بشأنه بينما يؤثر حزب الله عدم مجاراة ميقاتي والذهاب معه بعيداً حرصاً على باسيل.  لكن أولويته ليست هنا.

بهدوء نسبي يختلف عما سبق الجلستين الماضيتين، يتم التحضير لعقد جلسة حكومية ثالثة تحت عنوان البت بمواضيع تربوية ملحة. قطع ميقاتي وعداً بذلك لرئيس الحزب الإشتراكي، لكن العيون شاخصة بإتجاه موقف حزب الله. في المرة الماضية أعدّ الأمين العام لمجلس الوزراء محمود مكية جدول أعمال الجلسة ببنود طارئة وأخرى عادية. عرضه على حزب الله الذي فضّل حصر النقاش بموضوع الكهرباء وكان له ما أراد. اليوم تقول مصادر وزارية إن السيناريو ذاته سيتكرر.

يتعاطى حزب الله على قاعدة "لا إفراط ولا تفريط"، أي أن يقتصر البحث على الشؤون الملحة، مرجّحة أن يحضر الجلسة الوزراء ذاتهم الذين حضروا الجلسة الماضية من دون زيادة أو نقصان.

وتؤكّد مصادر حكومية إن ميقاتي سيقوم بواجبه ويدعو إلى الجلسة فور الانتهاء من الأمور التقنية وليتحمل كل طرف مسؤوليته. يعمل رئيس الحكومة على تحضير جدول الأعمال استعداداً لعقد الجلسة من غير أن يدخل في نقاش سياسي مع أي جهة. المعضلة التي تؤخر إنعقاد الجلسة حسب المصادر هي تأمين المبالغ المطلوبة لتغطية إحتياجات القطاع التربوي وليس لأسباب سياسية. في تقدير المصادر أن حزب الله لن يمانع طالما الملف متعلق بشؤون قطاع التربية، لكنه يتجنب إعلان موقفه لإعتبارات تخصه.

غير أن مصادر سياسية أخرى قالت إن التأخير مرده إلى أن ميقاتي لم يتبلغ رداً رسمياً من حزب الله ما قد يطرح السؤال حول إمكانية عقدها دون حضور وزراء الحزب. وفي إعتقاد المصادر أن الحزب قد يتريث بإعلان موافقته بينما هو يسعى إلى رأب الصدع السياسي في علاقته مع التيار الوطني الحر، ويتقاطع هذا القول مع معلومات موثوقة تتحدث عن قرار إتخذه حزب الله بعودة العلاقة مع التيار إلى مربعها الأول وتفهم اعتبارات حليفه، خصوصاً عشية الذكرى الـ 17 لتوقيع تفاهم مار مخايل الذي جمعهما، لكن مع مراعاة احتياجات الناس في ظل الأزمة التي يرزح تحتها القطاع التربوي.

بحنكة سياسية يدوّر ميقاتي الزوايا مستفيداً من دعم غير مسبوق لرئيس المجلس حتى يخال أحد السياسيين أنه وبري الحاكمين الفعليين للبلد في الوقت الحاضر وهو ما يخرج باسيل عن طوره ويحرج حزب الله المتعمد غض الطرف عن الجلسة إن عقدت ولسان حاله يقول"لا بد مما ليس منه بد".