الصفا
عمّق انعقاد جلسة حكومة تصريف الأعمال الثانية الشرخ بين التيار الوطني الحر وحزب الله. من كلام الأمين العام السيد حسن نصر الله استشف التيار أن حزب الله يريد التحالف معه وفق شروطه وإلا فإنه عايز مستغني. لكن وعلى عكس تفسير التيار فإن كلام السيد إنما حمل تأكيد على العلاقة مع التيار، بدليل إقتطاع جزء من إطلالة موضوعها قاسم سليماني ليطمئن الشريك وعدم الدفع باتجاه مسارات تصعيدية.
ضمناً كان يتمنى رئيس التيار جبران باسيل لو أن الجلسة لم تعقد وأن حزب الله لم يوافق كي لا يبدو محرجاً. حتى الساعة لا تزال علاقته مع السيد تتفوق على كل توتر بين الحليفين. جمود علاقته مع مسؤول الإرتباط وفيق صفا لم تلغ موقعه الوجداني لدى الأمين العام. ولكن بجلسة أو من دونها ومنذ فترة علت الأصوات التي تقول بضرورة أن يخضع تفاهم مارمخايل لتعديلات جوهرية ملحّة تخدم الجانبين. في آخر إطلالة متلفزة جيّر الرئيس ميشال عون الإتفاق إلى باسيل وبعث برسالة إلى حزب الله تقول أن التفاهم يحتاج إلى تعديل في الجوهر. ثمة من يقول إن باسيل في صدد العمل على إعادة نسج علاقته مجدداً مع الدول العربية ومع دول الغرب مستدركاً تدهور علاقته مع الحليف الشيعي.
عند كل مفترق يتعرض هذا التفاهم للجلد. يرفعه التيار مهدداً بالخروج منه. يتلقف حزب الله التهديد على مضض. الجانبان أخذا من التفاهم ما يخدم مصلحة كل منهما. الأهم من التفاهم والبنود الجامدة فيه تلك العلاقة التي أمّنت غطاءً للأول وقوة للثاني، حتى وصل الأمر بينهما إلى حد من يمون على الثاني ويأتمر بتوجهاته أكثر.
في الإنطباع السائد حالياً داخل التيار الوطني الحر أن التفاهم مع حزب الله إنتهى وإن لم يعلن بشكل رسمي بعد. وداخله أيضاً من يلتف على كلمة "إنتهى" بالحديث عن طلاق حبي سيقع بينهما حكماُ وأن الإعلان عنه سيتم فور إنتهاء الترتيبات لذلك. ولكن هذا الطلاق إن وقع فسيتم بالحسنى دون أن يتراشق الطرفان الإتهامات عبر الإعلام.
خلال اجتماع عقد أمس الأول رفع عدد من نواب التكتل النيابي صوته مهدداً بخطوات تصعيدية في الشارع إن انعقد مجلس الوزراء لولا أن جاء من بين الحضور من ينبهه أن الزمن الأول تحوّل. التيار بات وحيداً بلا حليف ولا سند فعن أي تحرك تتحدثون. لهجة التهديد والوعيد ذاتها تسمعها أيضا لجهة العلاقة مع حزب الله من المتحمسين لفك التفاهم معه.
أجواء تؤكد وجود شرخ كبير وعتب بلا حدود لوجود فريق وهو التيار الوطني الحر يعتبر أن التفاهم ولكي يبقى قائماً يفترض بالفريق الثاني أي حزب الله أن يتماهى مع توجهاته السياسية ومصالحه كشريك مسيحي. أراد باسيل فرض وجهة نظره على حليفه في موضوع الحكومة فتلقى الرّدّ على لسان الأمين العام والذي يستخلص من فحوى كلامه رسالة لباسيل تقول رغم مراعاة ظروف الحليف لكن من الصعب أن نسير بقراراتنا وفق توجهاته بدليل إصرار الحزب على المشاركة في جلسة الحكومة الثانية وتأكيد السيد على دستورية عقد الجلسة.
تؤكد مصادر التيار الوطني الحر أن الطلاق واقع لا محالة مع حزب الله من دون أن يعني ذلك تشنج في العلاقة. للتيار عتب على حزب الله الذي ساير شريكه الشيعي ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي على حساب شريكه المسيحي ودون أدنى إعتبار لموقعه. تقول معلومات التيار الوطني أن ميقاتي لم يكن بوارد عقد جلسة حكومية لعدم رغبته في المساجلة مجدداً مع رئيسه جبران باسيل لكن رئيس مجلس النواب نبيه بري أًصرّ عليه الدعوة إلى جلسة ووافق حزب الله على حضورها. داخل التيار الوطني من يساوره شعور أن حزب الله لم يعد بحاجة إلى شريك مسيحي لوجود شريك سني درزي والتفاهم معه بحكم المنتهي.
على مقلب حزب الله تسمع لهجة أقل حدية ومرونة. يأخذ حزب الله على باسيل تقديره الخاطئ لعواقب الأمور وفرضه على حزب الله الإلتزام به. قبيل الجلسة حاول حزب الله التفاهم معه على ضرورة عقد جلسة حكومية من دون نتيجة، وفي كل مناسبة يبدي حرصة على التفاهم الذي وإن كانت تراجعت أهميته وفق ما يعتبر البعض إلا أن هذا لا يلغي العلاقة الإستراتيجية التي لا يمكن لحزب الله سحب يده منها لوجود إلتزام أخلاقي وعاطفي ووفاء بين شريكين.
يحاول حزب الله تدوير الزوايا مع باسيل ولكن في نهاية الأمر هما طرفان، حزب وتيار لا طرف واحد ولكل منهما رأيه وقناعاته والضرورات أملت على الحزب مشاركته في الجلسة. كحزب لا يمكن أن يتحمل وزر عدم البت بأمور تهم الناس بينما البلد يمرّ في أسوء أحواله وعلى التيار أن يتفهم الضرورات. منذ البداية حاول حزب الله تخفيف غضب التيار بالعمل مع ميقاتي على جدول أعمال يقتصر على ملف الكهرباء وتوابعه. أقنع ميقاتي لكنه فشل في إقناع باسيل.
تقول الأوساط القريبة أن راهن العلاقة غير واضح بعد لكن المؤكد أن الإتجاه ليس صوب الإنفصال النهائي لحاجة الطرفين الى استمرار التواصل بينهما وتتابع قائلة هناك مشاكل ولكنها قيد المعالجة. بالموزاة تؤكد أوساط قريبة لكلا الطرفين أن الطلاق بين الشريكين يقع في حالة واحدة فقط، حين ينتخب حزب الله سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية وهذا لم يحصل بعد وإلى أن يحين الموعد لذلك، فالأمل لا يزال قائماً في إقناعه...