في 5 يوليو 1945، حدثت مفاجأة انتخابية قلبت المملكة المتحدة رأسًا على عقب: ونستون تشرشل، بطل الحرب العالمية الثانية، يُرفض بشدة من قبل الناخبين البريطانيين. قبل ثلاثة أشهر فقط، في مايو، بلغت شعبيته 85%. ومع ذلك، يفوز حزب العمال بانتصار ساحق في الانتخابات العامة. حدث لا يزال يثير التساؤلات حتى اليوم: لماذا رفض البريطانيون قائدهم الحربي بهذه القسوة؟
كان السياق هو مرحلة ما بعد الحرب. ففي 23 يوليو 1945، وخلال مؤتمر بوتسدام الذي جمع القوى العظمى المنتصرة (الولايات المتحدة، الاتحاد السوفيتي، المملكة المتحدة)، ظهر تشرشل على المسرح إلى جانب كليمنت أتلي، زعيم حزب العمال ونائب رئيس الوزراء في حكومة الوحدة الوطنية. تأخر فرز نتائج الانتخابات البريطانية، التي أُجريت في 5 يوليو، بسبب إدراج أصوات خمسة ملايين جندي منتشرين حول العالم.
كان المحافظون يتوقعون خسارة بعض المقاعد، لكنهم ظنوا أنهم سيحتفظون بالسلطة. غير أن النتائج كانت بمثابة زلزال سياسي: حصل حزب العمال على 49.7% من الأصوات و393 مقعدًا من أصل 640، مقابل 197 للمحافظين. مكسب بلغ 239 مقعدًا لحزب العمال وهزيمة تاريخية لتشرشل. يقول بعض الشهود إنه بكى. وفي مذكراته، لخّص شعوره بالخذلان بجملة مؤثرة: "وهكذا، سُلبت مني القدرة على تشكيل المستقبل."
كيف يمكن تفسير هذا القطيعة بين تشرشل والشعب البريطاني؟ المحللون في ذلك الوقت فرقوا بين القائد الحربي، المحترم بالإجماع، والسياسي المثير للجدل. قاد حزب العمال حملة انتخابية حديثة وحيوية، بينما اعتمد المحافظون فقط على صورة تشرشل، دون تقديم رؤية واضحة لفترة ما بعد الحرب.
حتى تشرشل اعترف بضعف حملة المحافظين. وأشار إلى أن العديد من قادة حزب المحافظين كانوا لا يزالون في الخدمة بالخارج، بينما كان قادة حزب العمال، المنحدرون من النقابات، متواجدين في البلاد، يشاركون في إدارة الاقتصاد الحربي، مما منحهم ميزة لوجستية واستراتيجية.
لكن السبب الرئيسي لانتصار العمال قد يكمن في مفارقة السياسة الحربية التي انتهجها تشرشل. لمواجهة تهديد النازية، اضطرت بريطانيا إلى اعتماد إجراءات ذات طابع جماعي، تتناقض مع تقاليدها الليبرالية: التجنيد الإجباري، ضبط الأسعار والأجور، التقنين، والتعبئة الشاملة للسكان. هذه السياسات غيّرت المجتمع البريطاني جذريًا. تم تجنيد 10% من السكان، دون تمييز طبقي. وتم إشراك النساء في المجهود الحربي، حتى في الأدوار التقنية والعسكرية.
خضع الاقتصاد لإشراف وزارة الإنتاج. وسمحت القوانين الاستثنائية بالاحتجاز دون محاكمة، والرقابة، ومصادرة الممتلكات، وتنظيم القوى العاملة. وبالنسبة لكثير من البريطانيين، أظهرت هذه السياسات فاعلية الدولة القوية والمنظمة.
وبينما أراد المحافظون العودة إلى نمط الحياة التقليدي لما قبل الحرب، رأى حزب العمال في ذلك فرصة لبناء مجتمع أكثر عدلاً. برنامجه الانتخابي عام 1945 بعنوان "فلنواجه المستقبل"، وعد بتمديد إصلاحات زمن الحرب إلى زمن السلم: السكن، التعليم، الصحة، والترفيه. وأكد البرنامج أن النصر كان من صنع الشعب، وليس فردًا واحدًا، وحذّر من عودة النخب المحافظة، التي اعتُبرت رمزًا للفوضى الاجتماعية.
وقد جذب هذا البرنامج عددًا هائلًا من الناخبين الذين سئموا من التقشف، لكنهم أدركوا فعالية الإدارة الجماعية. لقد غيّرت تجربة الحرب العقليات، وتجاوب الشعب بقوة مع وعود حزب العمال بالتقدم الاجتماعي. وقد نفّذ الحزب معظم وعوده خلال السنوات الست التالية.
شكل هذا التحول نقطة فاصلة في تاريخ المملكة المتحدة. حتى عودة تشرشل إلى السلطة عام 1951 لم تُلغِ مكتسبات تلك المرحلة. ولم يبدأ التحول نحو اقتصاد ليبرالي إلا مع وصول مارغريت تاتشر عام 1979.
لكن بعض الأصوات المعارضة، مثل فريدريش هايك في كتابه "الطريق إلى العبودية" (1944)، حذّرت من مخاطر الاقتصاد الموجَّه، الذي قد يقود إلى الديكتاتورية. أما جورج أورويل، ففي روايته "1984"، طوّر هذا التحذير عبر وصف نظام شمولي لا يقوم على الستالينية أو الفاشية، بل على شكل مشوَّه من الاشتراكية البريطانية، سَمّاه "إنغسوك".
في النهاية، لم تكن هزيمة تشرشل رفضًا لشخصه، بل لما يمثله سياسيًا. فقد اختار الشعب البريطاني، بعد تجربته في الحرب، التغيير الاجتماعي العميق بدلاً من الاستمرارية السياسية. الرجل الذي قاد بلاده إلى النصر تم استبعاده عند مجيء السلام، في واحدة من أكبر مفارقات التاريخ السياسي الحديث.