لا نكشف سراً إذا قلنا نحن في مأزق.

حين نسمع أن الدولة بأركانها تناشد فصيلاً مسلّحاً أن يبقى هادئاً ولا يتدخل في الحرب الدائرة بين إسرائيل وإيران نكون في مأزق.

وحين يتنفس الجميع في لبنان الصعداء لأن الفصيل المسلح قرّر أنه ملتزم النأي بالنفس عن التراشق الصاروخي الملتهب نعرف أننا لا نزال في مأزق.

وحين نرى أن بعضاً غير قليل من اللبنانيين لا يزال يعتقد أن الفصيل المسلح إياه لا يزال قادراً على التأثير في المعادلات، داخلية وخارجية، نتأكد أننا في المأزق.

حين تعلن الحكومة أنها حزمت أمرها ووضعت جدولاً زمنيّاً لجمع السلاح من المخيّمات الفلسطينية ومن خارجها وفق خطة لا تستغرق وقتاً طويلاً ثم تلتزم الصمت ولا تبدأ بتنفيذ الخطة في الموعد المحدّد لأسباب لا تتعلق بقدرتها، بل بما نُقِل عن خلافات بين الفلسطينيين أو بسبب الحرب بين إسرائيل وإيران، نكون في مأزق.

حين تقرّ الحكومة آلية لاختيار المرشحين للمناصب العليا في إدارة الدولة ثم تتعرقل هذه الآلية لأن هذا أو ذاك من المسؤولين المنتخَبين أو المعيّنين أو من النافذين الحزبيين أو من مقارّ الطوائف الدينية يريد تعيين أحد من زبانيته من خارج هذه الآلية، نكون في مأزق.

حين تتصرف سلطة من سلطات الدولة الثلاث وكأنها وصية على السلطتين الأخريين في حين أن الدستور ينص على فصل السلطات وتعاونها، نكون في مأزق.

حين تتوقّف عجلة العدالة بسبب خلاف على مرشّح لمنصب له دور مؤثّر في مكافحة الفساد والسهر على النظافة المالية للإدارة، نكون في مأزق.

وحين يصرّ المسؤولون في الدولة على حصصهم في الإدارة تضيع حصة الدولة وحصة من يُفترَض في الدولة أن تخدمه، أي الصالح العام، نكون في مأزق.

حين تعجز السلطة برموزها ومرجعياتها العامة والمختصّة عن الاتفاق على رؤية موحّدة للإصلاح الإداري والمالي وما دام الخلاف على إعادة حقوق المودعين بعد هدر أموالهم مستمراً، نكون في مأزق.

وأبرز تجلّيات هذا المأزق أن إرادة الخروج من الأزمة لا تزال أضعف من شبكة المصالح التي تأسر الدولة وتسيطر على مؤسساتها وتعرقل خدمة المصلحة العامة.

لماذا لا يريد أحد أن يقتنع بأن ترك الأوضاع على ما هي يزيد تعميق جذور عقلية الفساد التي يشكو منها الجميع ولكنهم جميعاً يريدون الاستفادة منها مرة أخيرة قبل الانتهاء منها؟ أيجهل أحد أن تمديد الأمر الواقع يزيد تعقيد الحلول ويلوّث سمعة المسؤولين إما بالعجز أو بالتواطؤ أو بالانتفاع.

مشاكلنا كثيرة ومعقّدة فيما وسائل حلّها، وهي معروفة، لا تزال غير متاحة. والوقت يمّر وكذلك الفُرَص.

المشكلة الكبرى أننا لا نزال نطبّق على المرحلة الجديدة التي بدأنا نعيش تداعياتها، المعايير القديمة التي لم تعد صالحة للقياس.

ثمّة أمور يمكن أن يراعي المسؤولون بعض جوانبها في التطبيق. لكن لا تجوز المراعاة في معالجة المشكلات الجوهرية لأن المراعاة تمنع إعادة البناء على أسس سليمة وعادلة ومحقة.