لم تكن العلاقة بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والملياردير إيلون ماسك يوماً تحالفًا متينًا بقدر ما كانت زواج مصلحة مؤقت، إذ التقى فيه طموح عصر الفضاء الجديد مع نزعة سياسية محافظة تنتمي إلى مدرسة قديمة. لكن هذا الارتطام، الذي أخذ منحى شخصيًا، يكشف في جوهره عن تصادم رؤيتين غير قابلتين للتوفيق: التكنولوجيا التقدّمية التي تهدف إلى إعادة تشكيل العالم، والوطنية الانعزالية التي تسعى إلى إعادة تشكيل أميركا من الداخل.

الفصل الأول: رقصة المصلحة المتبادلة (2016 – 2020)

دخل ترامب، رجل العقارات الشعبوي، وماسك، المهاجر الجنوب أفريقي الذي أصبح أيقونة تكنولوجيّة، في تحالف براغماتي بحت. قدّم ترامب لماسك استثناءات تنظيمية لتيسلا خلال جائحة 2020، فيما انضم ماسك إلى مجالسه الاستشارية الاقتصادية رغم قوله في السر إنه "ليس الرجل المناسب". الصفقة غير المعلنة كانت واضحة: ترامب يكسب شرعية من وادي السيليكون، وماسك يحصد عقودًا من ناسا وحوافز ضريبية. إلا أن التوتر كان كامنًا: رؤية ماسك الكونية للطاقة النظيفة واستعمار الفضاء اصطدمت بمبدأ "أميركا أولاً" الذي يروّج له ترامب. لم يكن لقاء عقول، بل تقاطع مصالح مؤقت بين عملاقين لا يتشابهان.

الفصل الثاني: الطلاق الأيديولوجي… شبح اتفاق باريس (2017 – 2022)

في الأول من حزيران 2017، انسحب ترامب من اتفاق باريس للمناخ، فردّ ماسك باستقالة فورية من مجالس الرئيس قائلاً إن القرار "سيئ لكوكب الأرض". عندها أصبح الخلاف شخصياً. في 2022، وصف ترامب ماسك بأنه "محتال"، فيما قال ماسك إن ترامب "ينتمي إلى الماضي وعليه التلاشي في الأفق". تحوّل الانقسام إلى عنوان مرحلة: الابتكار القائم على الوقائع مقابل الوطنية المبنية على الغريزة. عندما دعم ماسك حاكم فلوريدا رون دي سانتيس في 2023، واصفًا ترامب بأنه "مغناطيس للدراما"، كان قد حسم خياره.

الفصل الثالث: رهانات تويتر… وهم السيطرة (2022 – 2023)

صفقة شراء تويتر بـ44 مليار دولار، والتي أعاد ماسك تسميتها إلى "X"، كانت تحديًا مباشرًا لآلة ترامب الإعلامية. أعاد ماسك تفعيل حساب ترامب المحظور تحت شعار "حرية التعبير"، لكن ترامب رفض العودة، متمسكًا بمنصته "تروث سوشال" التي باتت حصنًا لأنصاره. فشل ماسك في استقطاب جمهور ترامب أثبت قاعدة جديدة في اقتصاد الانتباه: الجمهور الأسير أهم من المنصة المفتوحة.

الفصل الرابع: خيانة الـ290 مليون دولار (2023 – 2024)

في أعقاب محاولة اغتيال ترامب في تموز 2024، تبرّع ماسك بمبلغ غير مسبوق بلغ 290 مليون دولار لحملة ترامب، في أكبر مساهمة سياسية في تاريخ أميركا. خطوة واقعية تهدف إلى كسب النفوذ لدى من يبدو في طريقه للانتصار. لكن ماسك أخطأ في قراءة معادلة ترامب. فمشروع "الفاتورة الجميلة الكبرى" الذي أقره ترامب مطلع 2025 خفّض دعم السيارات الكهربائية وزاد تمويل الوقود الأحفوري، ما أدى إلى تراجع مبيعات تيسلا بنسبة 13%. قاطع المستهلكون البيئيون ماسك، معتبرين تحالفه مع ترامب خيانة. ليتضح أن ولاء ترامب لا يُشترى.

الفصل الخامس: الانتقام النووي (2025)

بحلول أيار 2025، بلغت الخصومة ذروتها. هدّد ترامب بإلغاء عقد هبوط القمر الذي وقعته ناسا مع سبيس إكس (Space X) بقيمة 2.9 مليار دولار، فردّ ماسك بتسريبات عن احتمال ظهور اسم ترامب في سجلات رحلات إبستين، وطعن بشرعية انتخابات 2024. خلال 48 ساعة، تراجعت أسهم تيسلا بنسبة 7%، وخسرت الشركة 68 مليار دولار من قيمتها السوقية. الضربة القاضية جاءت حين عيّن ترامب خصم ماسك القديم، شون دافي، على رأس وكالة ناسا، عقابًا لمعارضة ماسك لإصلاحات هيئة الطيران المدني. في هذه المعركة بين مليارديرين، انتصرت المؤسسات على رأس المال المتمرّد.

الخاتمة: ثمن تصادم الغرور

ما جرى بين ترامب وماسك يتجاوز صراع شخصيات. إنه تجلٍّ لصدام رؤيتين للسلطة والنفوذ:

رؤية ماسك التي تؤمن برأسمالية خيال علمي، عابرة للحدود، تسعى لإعادة تشكيل المجتمعات عبر التكنولوجيا؛ مقابل أسلوب ترامب القائم على الوطنية، المحسوبيات، واستخدام مؤسسات الدولة كسلاح بيد السلطة.

الخطأ القاتل كان مشتركًا: ماسك ظنّ أن المال سيشتري ولاء ترامب؛ وترامب اعتقد أن عبقرية ماسك تعني خضوعًا مضمونًا. كلاهما أساء تقدير الآخر. والنتيجة؟ درس بقيمة 68 مليار دولار في حدود السياسة القائمة على المصالح، وتحذير مفاده أن في حروب العمالقة، لا يوجد منتصرون… بل ناجون فقط.

واليوم، بينما يطلق ماسك حزبه الجديد "حزب أميركا"، ويواصل ترامب تعزيز سلطته، لا يقتصر صراعهما على الأسواق، بل يعيد تشكيل جوهر الرأسمالية الأميركية ذاتها.