وسط الانهيار المالي المستمر في لبنان، وانعدام الثقة الكامل بالمصارف، تبرز العملات المستقرة كحلّ بديل قابل للتنفيذ في ظل غياب أي بوادر جدية للإصلاح المصرفي. وقد رأى الخبير في العملات الرقمية وليد أبو زكي، في حديث خصّ به موقع "الصفا نيوز"، أن تنظيم استخدام العملات المستقرة قد يشكّل خطوة مفصلية في تحديث النظام المالي اللبناني، واستعادة الحدّ الأدنى من الثقة والكرامة للمواطنين.
يرى أبو زكي أن أزمة لبنان المالية حولت ملايين الناس إلى "رهائن اقتصاديين"، في ظل ودائع محتجزة، وانهيار متسارع للّيرة اللبنانية، وتعدّد في أسعار صرف الدولار. ومع تمسّك مصرف لبنان الجديد بسياسة "الاحتواء الحذر"، يبتعد النقاش الرسمي عن الابتكارات النقدية مثل العملات المستقرة، باعتبارها عبئاً إضافياً على أجندة مثقلة بالأزمات. لكن أبو زكي يوضح أن تجاهل هذا النوع من الحلول قد يعني تفويت فرصة لإنقاذ النظام من جذوره.
العملات المستقرة لا تهدف إلى استبدال المصارف التقليدية، بل تفتح أبوابًا جديدة أمام المواطنين الذين حُرموا من حقوقهم المالية الأساسية. فامتلاك دولارات رقمية خاضعة لسيطرة المستخدم، وقابلة للتحويل والنقل بسهولة، هو بحدّ ذاته إنجاز كبير في بلد انهار فيه كل ما هو "رسمي".
ويضيف أبو زكي لـ"الصفا نيوز": "في لبنان، لا أحد يعرف كم دولار نقدي يتم تداوله يوميًا، حتى مصرف لبنان نفسه. لذلك، فإن العملات المستقرة قد تمثل وسيلة تنظيم وضبط، لا فوضى كما يظن البعض". ويشير إلى أن حجم التداول الشهري بالعملات المستقرة في السوق اللبنانية غير الرسمية يتجاوز 30 مليون دولار، ما يعكس الحاجة الحقيقية لاستخدامها، لا سيما في ظل غياب الخدمات المصرفية الفعالة.
أما في التجارب الدولية، فقد بدأت دول مثل الولايات المتحدة بإدراج العملات المستقرة ضمن أطرها القانونية، عبر قوانين كـ"Genius Act"، فيما قامت الإمارات بدمجها ضمن منظومتها المالية الرسمية عبر تنظيم واضح من مصرفها المركزي. وفي أوروبا، بدأت دول مثل فرنسا بتنظيم عمل "ستابل كوينز" بصرامة، بينما يسعى الاتحاد الأوروبي نحو استقلال رقمي ذاتي.
في لبنان، قد تكون الفرصة مواتية لتطبيق نموذج جديد يعتمد على الشفافية والرقابة والتمكين الفردي. فالمحافظ ذاتية الحفظ، على سبيل المثال، تتيح للمستخدم التحكم بأمواله دون وسطاء أو بنوك، وهو ما ينسجم تمامًا مع ثقافة النقد المتجذّرة في المجتمع اللبناني. ويمكن الدمج مع خدمات "التخزين مع الفوائد" (staking) أن يمنح الأفراد دخلًا سلبياً على دولاراتهم الرقمية، في ظل غياب كامل للمنتجات المالية العادلة في السوق المحلية.
ويشير أبو زكي إلى أن الاستخدام الأكثر واقعية للعملات المستقرة هو التحويلات من المغتربين، التي تُقدّر سنوياً بـ6 إلى 7 مليارات دولار. وقد تصبح هذه العملات وسيلة أسرع وأقل تكلفة وأكثر أماناً لإيصال الأموال من الخارج مباشرة إلى الناس، دون المرور بمصارف تتفنن في العرقلة.
ويختم أبو زكي حديثه مع "الصفا نيوز" بالتساؤل: "ما هو البديل إذا لم نتحرك الآن؟ هل نعيد بناء نفس النموذج المصرفي الذي فشل كارثيًا؟ أم نستثمر في أدوات رقمية حديثة تنسجم مع طبيعة لبنان المنفتحة وتجعل النظام المالي يخدم الناس، لا النخبة؟"
إن إدخال العملات المستقرة في لبنان لا يجب أن يُنظر إليه كمخاطرة، بل كفرصة. فرصة لإعادة بناء الثقة، وتحقيق الشفافية، وتمكين الأفراد. فلبنان، الذي لطالما افتخر بانفتاحه الاقتصادي ومرونة مجتمعه، لا يمكنه أن يظلّ معزولاً عن التطور المالي العالمي. العملات المستقرة قد تكون بداية الطريق، نحو مستقبل لا يُدار بالأوهام، بل بالقواعد الرقمية العادلة.