كلّ شيء تغيّر في نهائيّات كأس العالم لكرة القدم في نسخة 2026، من الألف إلى الياء.
فالأهداف الرنّانة المعلنة الّتي وضعها لها الاتّحاد الدوليّ للّعبة هي إتاحته فرصة المنافسة أمام منتخبات جديدة وإعطاء الجماهير إثارة وحماساً غير مسبوقَين لم تعرفهما أيّ بطولة سابقاً.
هذه العناوين الجميلة ظاهرها رائع، أمّا باطنه وأهدافه الحقيقيّة والمخفية هي ما تجنيه "دولة الفيفا" أي مزيداً مزيد من الأرباح والاستثمار في كلّ تفصيل صغير وكبير.
فبطولة كأس العالم في كرة القدم المقبلة ستكون للمرّة الأولى بمشاركة قياسيّة مع 48 منتخباً أي أكثر من ربع دول العالم الّتي تنتمي إلى عائلة الاتّحاد الدوليّ للعبة. وهذا يعني أن التأهّل إلى نهائيّات البطولة لم يعد إنجازاً للبلد المتأهّل.
كذلك وانطلاقاً من بطولة كأس العالم المقبلة والّتي ستستضيفها القارّتان الأميركيّتان الشماليّة والوسطى، إذ تتشارك في استضافتها الولايات المتّحدة الأميركيّة والمكسيك وكندا، أصبح بعد المسافات الجغرافيّة بين ملعب في المكسيك وملعب في كندا آلاف الكيلومترات على عكس البطولة السابقة في قطر، حيث كانت المسافات بين الملاعب المضيفة لا تبعد أكثر من مئات الأمتار.
أمّا أسعار البطاقات الّتي ستُطرَح في الأسواق والّتي أعلن عنها في الأيّام الأخيرة أقلّ ما يقال عنها قياسيّة وبعيدة جدّاً عمّا كانت عليها في بطولة كأس العالم الأخيرة في قطر.
فأسعار مباراة الافتتاح تبدأ في الدرجة الرابعة بـ 560 دولاراً أميركيّاً مقابل 55 دولاراً في افتتاح مونديال قطر، بينما الدرجتان الأولى والثانية، أي مقاعد منتصف الملعب فهي تتراوح بين ألفي دولار و2800 دولار للمقعد الواحد مقابل بين 440 و600 دولار للفئة نفسها في مونديال قطر.
وفي المقابل، تتراوح أسعار المباراة النهائيّة لمونديال القارّتين الأميركيّتين الصيف المقبل بين ألفي دولار في الفئة الرابعة و 6600 دولار للدرجة الأولى مقابل مئتي دولار للفئة الرابعة و1600 دولار للفئة الأولى في مونديال قطر.
تلك الفوارق غير المسبوقة وغير المنطقيّة بين المونديال السابق في قطر والمونديال المقبل في الولايات المتّحدة والمكسيك وكندا تؤكّد أنّ الاتّحاد الدولي لم يعد يكترث للقيم الّتي نشأت منها ولها بطولة العالم في كرة القدم، عندما أطلقها الفرنسيّ جول ريميه في بداية الثلاثينيّات، وبالتالي أصحبت لعبة الفقراء اليوم لعبة الأغنياء وبطولة كأس العالم تحوّلت إلى أكبر منصّة استثمار ماليّة في العالم.
وفي الإطار نفسه، فإنّ تقريراً صادراً عن شبكة The Athletic الواسعة الانتشار من داخل أروقة الاتّحاد الدوليّ لكرة القدم في سويسرا يشير إلى أنّ بطولة كأس العالم المقبلة بالشراكة بين الولايات المتّحدة وكندا والمكسيك والّتي ستجري بين 11 حزيران و19 تمّوز المقبل وتمتدّ على فترة 6 أسابيع سيتابعها أكثر من خمسة مليارات شخص أي ثلثا سكّان الكرة الأرضّة.
وكانت الفيفا قد توقّعت أن تحقّق إيرادات قياسيّة في البطولات العالميّة بين عامي 2024 و2026 والّتي تشمل بشكل خاصّ كأسي العالم للرجال والسيّدات (والّتي تكون عائداتها متواضعة جدّاً نسبة لبطولة الرجال) حيث تتجاوز الـ 13 مليار دولار لتكون أكثر من 75 في المئة من إيرادات مونديال قطر السابق الّتي بلغت إيراداته 7.5 مليارات دولار.
ويبقى السؤال الكبير أين كرة القدم اليوم بمبادئها من كرة القدم سابقاً؟ وهل أنّ الأهداف الّتي لطالما كان يتغنّى بها الاتّحاد الدوليّ أصبحت مجرّد شعارات يستعين بها عند الطلب، بينما الحقيقة المرّة أنّ كرة القدم أصبحت في مكان آخر تماماً، حيث لم يعد هناك أيّ مكان للفقراء في لعبة الفقراء.
يرجى مشاركة تعليقاتكم عبر البريد الإلكتروني:
comment@alsafanews.com