في قلب ولاية كنتاكي الأميركية، وتحديدًا في بلدة صغيرة تُدعى "فورت نوكس" ، يقع أحد أكثر الأماكن غموضًا وتشديدًا في العالم: خزانة الذهب الأميركية. هذا المبنى المحصّن ليس مجرد مستودع للذهب، بل يُمثّل رمزًا للقوة الاقتصادية والهيبة المالية للولايات المتحدة، وهو محاط بحراسة مشددة لدرجة أن البعض شبّهه بالقلعة التي لا يمكن اختراقها.
تأسست خزانة فورت نوكس في العام 1936، خلال عهد الرئيس فرانكلن روزفلت، بعد أن قررت الحكومة الأميركية نقل احتياطيها الذهبي إلى مكان أكثر أمانًا وسط تصاعد التوترات الدولية التي سبقت الحرب العالمية الثانية. وبحسب التقديرات الرسمية، تحتوي الخزانة اليوم على أكثر من 4,500 طن من الذهب، أي ما يعادل نحو 147 مليون أونصة تروي، وتُقدّر قيمتها السوقية بمئات المليارات من الدولارات. هذه الكمية تمثّل ما يقارب نصف احتياطي الذهب المملوك من قبل الولايات المتحدة.
لكن ما يجعل فورت نوكس محط اهتمام ليس فقط الكمية الهائلة من الذهب، بل أيضًا السرية المُطلقة التي تحيط بها. فالدخول إلى الخزانة محصور بعدد محدود جدًا من الأشخاص، وهناك أنظمة أمان متعدّدة الطبقات تشمل بوابات فولاذية تزن أطنانًا، وأنظمة مراقبة متقدمة، وحراسة من قوات خصوصًا تابعة للجيش الأميركي.
الغموض الذي يكتنف فورت نوكس جعل منها مادة دسمة لنظريات المؤامرة. فهناك من يشكك في وجود الذهب أصلًا، مدّعين أن الخزانة أصبحت فارغة وأن الحكومة الأميركية تخفي الحقيقة عن شعبها. آخرون يذهبون إلى القول إن الذهب الذي كان موجودًا قد تم بيعه أو استبداله بسبائك مزيّفة. ورغم أن الخزانة فُتحت للزيارة الرسمية لعدد من أعضاء الكونغرس والصحافيين عام 1974، فإن هذه الشكوك لم تتبدّد، خصوصًا مع ندرة هذه الزيارات.
تسللت شهرة فورت نوكس إلى عالم السينما والروايات، ولعل أشهر ظهور لها كان في فيلم جيمس بوند "Goldfinger" عام 1964، حيث خطط الشرير الرئيسي لتفجير الخزانة بهدف تلويث الذهب داخله وجعل احتياطي الولايات المتحدة بلا قيمة. هذه الصورة السينمائية عززت فكرة أن فورت نوكس ليس مجرد مبنى، بل رمز إستراتيجي ذو أبعاد تتجاوز المال.
اليوم، لا تُستخدم خزانة فورت نوكس لحفظ الذهب فحسب، بل كانت أيضًا موقعًا لحفظ مستندات وكنوز وطنية خلال أوقات الأزمات. فعلى سبيل المثال، يُقال إنها احتضنت وثيقة "إعلان الاستقلال" و"دستور الولايات المتحدة" خلال الحرب العالمية الثانية لحمايتهما من خطر الهجوم.
في النهاية، يبقى فورت نوكس شاهدًا على علاقة الإنسان بالثروة والقوة، وهو في نظر كثيرين أكثر من مجرد مكان... إنه أسطورة قائمة بحد ذاتها، بابه مغلق، أسراره دفينة، لكن حضوره في الذاكرة الجماعية لا يصدأ.