على عكس الزيارات السابقة للمسؤولين الأميركيين، لم تحمل زيارة توماس برّاك معطىً خطيراً وأساسياً، ولم تُشِر إلى أن لبنان لا يزال على خريطة الاهتمام الدولي كما كان سابقاً.
هناك مسألتان رئيسيتان تهتم بهما الولايات المتحدة في لبنان: العلاقة مع سوريا انطلاقاً من ترسيم الحدود البرية، والتأكد من سحب سلاح "حزب الله."
في ما يخصّ الحدود، ثمة عقدة سورية مخفيّة يطالب المجتمع الدولي، أي الولايات المتحدة وإسرائيل، بمعالجتها، وهي الاعتراف بسوريّة مزارع شبعا لسحب ورقة "المقاومة" من يد "حزب الله". وهناك معلومات تفيد بأن قضية المزارع ستكون ضمن الملفّات التي سيناقشها الموفد السوري مع المسؤولين اللبنانيين، وإن كانت زيارته مرهونة بتطوّرات الحرب الإسرائيلية على إيران.
حضرت مزارع شبعا في مباحثات برّاك كما قضية سلاح "حزب الله"، وقد طالب، بأسلوب التمني، بحصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية.
جال المبعوث الخاص إلى سوريا، توماس برّاك، على المسؤولين اللبنانيين، من رئيس الجمهورية إلى رئيسي مجلس النواب والحكومة، منبّهاً إلى حساسية الوضع في المنطقة.
لم يحمل أكثر من تنبيه، وتمنيات، ونصيحة للبنان لتسوية أوضاعه مع جارته سوريا. قال بوضوح إنه، بصفته مسؤولاً عن الملف السوري في المنطقة، ينصح لبنان ببناء علاقة متينة مع سوريا، لأن استقرار المشترك لكل من الدولتين مهمّ للمنطقة، ولأن الخلل في وضع أي منهما سينعكس سلباً على الدولة الأخرى.
تحدث عن ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا، بما في ذلك مزارع شبعا، التي يجب أن يتفق بشأنها البلدان، كما تطرّق إلى ملف النازحين وضرورة التفاهم حوله بعد رفع العقوبات.
على عكس الموفدة السابقة، مورغان أُرتاغُس، لم يكن برّاك استفزازياً ولا تهويلياً؛ قال ما قاله بتفهّم وهدوء.
أوضح أن متابعته للملف السوري جعلته معنياً، مؤقتاً، بالوضع اللبناني، ذلك أن الإدارة الأميركية لم تتخذ بعد قراراً بتعيين خلفٍ لأُرتاغُس، وقد يستغرق ذلك إلى أيلول، وربما أكثر.
في بعبدا، تحدّث عن العلاقة مع سوريا و السلاح وحصره بيد الدولة، كمقدّمة لمعالجة بقية الملفّات. أبدى تفهّماً لما قاله الرئيس جوزاف عون حول ضرورة انسحاب إسرائيل، لكنه لم يقدّم أي وعد بهذا الشأن، واكتفى بدور المستمع المتفهم.
واستمر هذا التفهّم في عين التينة، ولو أنه، وعلى مسمع من رئيس المجلس نبيه بري، حذّر من أن انخراط "حزب الله" في الحرب الإسرائيلية على إيران سيعرّض لبنان لحرب جديدة.
طالب برّاك بالإسراع في معالجة ملف سلاح "حزب الله"، من دون أن يحدّد مهلة زمنية، لكنه ضمناً اعتبر أن حلحلة هذه المسألة تسرّع وتيرة مساعدة لبنان.
في غمرة انشغال العالم بالحرب بين إسرائيل وإيران، بدا أن برنامج أولويات الولايات المتحدة قد اختلط، إلا أن أمن إسرائيل لا يزال يحتل صدارة الاهتمام.
ومن هذا المنطلق يمكن اعتبار زيارة برّاك بمثابة تحذير للبنان من انخراط "حزب الله" في الحرب إلى جانب إيران، كي لا تُستأنف الحرب الإسرائيلية على لبنان.
وهذا ليس التحذير الأول ولن يكون الأخير؛ فقد وصلت إلى مسامع "حزب الله" تحذيرات عديدة أوصلها الأميركيون، الذين سعوا إلى الحصول على ضمانات تمنع انخراط الحزب في الحرب.
ترك برّاك لدى بري انطباعاً إيجابياً لم يكن مستفزاً كما كانت أُرتاغُس. بدا منصتاً باهتمام إلى ما سمعه من الرؤساء، ومهتماً بمقاربة ترسيم الحدود التي تحدّث عنها بري، والتي تفيد بأن الترسيم منجَز.
يوم لبناني أمضاه المسؤول الأميركي، لم يحجب الأنظار عن الحرب في إيران واحتمالاتها المتعددة، ولا عن الخشية من استفزازات إسرائيلية إضافية قد تعقّد الوضع في لبنان.
زيارة استطلاعية، أكّدت على مسألتَي سحب السلاح والعلاقة مع سوريا.
المطلوب من لبنان النأي بالنفس عن ملف إيران، والتعاون أكثر في ملف سحب السلاح. هناك "غضّ طرف" أميركي وتراجع في الاهتمام، مقابل تحذيرات متكررة من دور "حزب الله" وما نبقى من سلاحه، ورسالة إنذار من تجدّد الحرب، نقلها أكثر من موفد دولي إلى لبنان في الآونة الأخيرة.
وقد وصلت هذه الرسائل إلى مسامع "حزب الله"، المنشغل بمراقبة المشهد الإيراني عن كثب. الاحتمالات كثيرة وخطيرة؛ من جهته، "الحزب" لا يريد خلق ذريعة لإسرائيل، لكن من يضمن كبح جماح إسرائيل عن استمرار عدوانها؟
لم يمنح الموفد الأميركي أي تطمينات بخصوص الانسحاب الإسرائيلي أو وقف العدوان.
قدّم نصائح وتمنيات، وغادر، بينما بقي المشهد الإقليمي معقّداً، ولم يقدّم الموفد جواباً واضحاً حول ما تنوي بلاده فعله، أو عمّا إذا كانت ستتدخل مباشرة في الحرب ولا ردَّ حاسما بشأن المفاوضات مع الايرانيين. ملفات لم يحمل أجوبةً عليها فيما عليها يتوقف الحسم في منطقة تغلي جرّاء حرب يمكن ان تقلب الموازين فيها.