في عالمٍ تسوده التحديات البيئية والاقتصادية، تبرز المشاريع الناشئة كوسيلةٍ فعالة لابتكار حلول محلية مستدامة. ومن بين هذه المشاريع التي رصدتها الصفا نيوز، تأخذ قصة جاد أبو حمدان في قطاع تربية النحل في لبنان طابعاً ملهماً، يجمع بين الشغف، والإصرار، والتعلم، والابتكار.

بدأت رحلة جاد قبل حوالي ثماني سنوات، حين لاحظ مع أصدقائِه وجود مشكلةٍ حقيقية في سوق ملكات النحل في لبنان. فالاعتماد على الاستيراد من الخارج كان يحمل الكثير من علامات الاستفهام حول جودة الملكات المنتجة، وقدرتها على التكيّف، وإنتاجيتِها، وحتى سلوكٍها. أدرك جاد أن بعض الملكات المستوردة تفتقر إلى الصفات الأساسية التي يحتاجها النحال اللبناني، في حين كانت هناك محاولات غشٍّ في السوق، تسببت في خسائر لمربّي النحل.

انطلاقاً من هذه التحديات، قرر جاد أن يحوّل المشكلة إلى فرصة، وأطلق مع فريقه برنامجاً متخصصاً لتحسين سلالة ملكات النحل محلياً، عبر تربية ملكات تتميز بالقوة، والمناعة، والإنتاجية، وبأسعار مناسبة للنحالين في لبنان والعالم العربي. اعتمد البرنامج على تقنيتين رئيسيتين: التلقيح الطبيعي، والتلقيح الاصطناعي (أو ما يُعرف بالتلقيح الآلي)، وهي تقنية متقدمة تتيح التحكم في الصفات الوراثية للملكة.

لكن الحلم لم يتوقف عند تطوير ملكات جيدة، بل تطلّع جاد إلى بناء مرجعية علمية محلية في هذا المجال. وبعد سنواتٍ من التجربة والعمل، قرر أن يسعى للحصول على شهادة دولية في التلقيح الاصطناعي من معهد متخصص في فرنسا، مما يفتح له آفاقاً أوسع للتطوير العلمي والتسويق الدولي.

التحول الجوهري في مشروع جاد جاء في عام 2022، عندما التحق ببرنامج "ريف"، وهو برنامج دعم للمشاريع الناشئة. في البداية، كانت فكرة المشروع موجودة، لكن دون خطة عمل واضحة أو تمويلٍ كافٍ. قدّمَ "ريف" دعماً متكاملاً تمثل في التدريب والتوجيه والتمويل، ما ساعد الفريق على تحويل فكرتهم إلى مشروع حقيقي. تعلم جاد كيف يفكر بعقلية ريادية، كيف يطوّر نموذج عمل، وكيف يدير المشروع كمؤسسة لا كمهنة فردية.

لاحقاً، شارك جاد في برنامج "AgriTech"، وهو مبادرة أخرى لدعم الابتكار في المجال الزراعي. هذا البرنامج أتاح له تطوير أنظمة رقمية لمراقبة أداء الملكات في المناحل، وربط كل خلية ببيانات دقيقة تساعد النحالين على اتخاذ قرارات أفضل.

ومن جديد، يواصل جاد رحلته العلمية، حيث من المقرر أن يسافر إلى فرنسا في يونيو 2025 لإجراء تدريب متخصص في التلقيح الاصطناعي، ما يعزز خبرته ويوطد مكانته في هذا القطاع الحيوي.

في الختام، يمكن القول إن قصة جاد أبو حمدان تجسد بامتياز روح الريادة في بيئة صعبة. فقد تمكن من تحويل مشكلة يعاني منها الكثيرون إلى فرصة للابتكار، من خلال الجمع بين الخبرة الميدانية والعلم والتكنولوجيا والدعم المؤسساتي. وهو اليوم لا يطمح فقط إلى تحسين قطاع تربية النحل في لبنان، بل إلى أن يصبح نموذجاً يحتذى به في العالم العربي.