أعادت الاعتداءات الإسرائيلية المكثفة على ضاحية بيروت الجنوبية خلط الأوراق مجددّاً في ما يتعلق بوضعية "حزب الله" وسلاحه. فقد أحرج العدوان الإسرائيلي الدولة اللبنانية بكل أركانها، من رئيس الجمهورية إلى رئيس الحكومة، في حين بقيت وزارة الخارجية غائبة عن السمع.

بعد ما شهدته الضاحية ومناطق عدة في الجنوب، لم يعد ممكناً الحديث عن سلاح "حزب الله" من وجهة نظر الحزب فقط، فإسرائيل التي لا تحتاج إلى ذريعة للاعتداء، نفّذت عدواناً أعاد بيئة "حزب الله" إلى أيام قاسية عاشتها قبل ثمانية أشهر خلال الحرب الإسرائيلية على لبنان. عائلات بأكملها افترشت الطرقات وأمضت الليل في سياراتها بانتظار انتهاء العدوان.

لم تعد عبارات الشجب والاستنكار تجدي نفعاً للبنان، و"حزب الله" بات حائراً بين الردّ أو عدمه. لا يريد تجدّد الحرب، ولكنه في المقابل لن يرضى باستهداف البلد بالشكل الذي تقوم به إسرائيل.

العدوان، الذي قالت إسرائيل إنه جاء بموافقة مسبقة من الولايات المتحدة الأميركية، طوّق الرئيس جوزف عون وحكومة نوّاف سلام. فكيف سيمضي عون في سياسته الحوارية مع "حزب الله" حول تسليم السلاح، وهو الذي كان قبل أيام يُقنع "الحزب" بتسليم سلاحه الثقيل الذي بات من الصعب استخدامه؟

لبنان دخل مجدّداً في مرحلة صعبة للغاية. نتنياهو، المأزوم داخليّاً بفعل الحصار الدولي عليه على خلفية الحرب على غزة، والذي يخضع لتأنيب من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لم يجد إلا لبنان متنفّساً، فشنّ عدواناً كبيرًا بحجة وجود سلاح.

ما شهدته ضاحية بيروت الجنوبية سيزيد الضغط على "حزب الله"، الذي كان قد اشترط على عون وسلام قبل تسليم السلاح وقف العدوان، وتحرير الأسرى، وانسحاب إسرائيل من النقاط التي تحتلها. اليوم، وبعد العدوان الإسرائيلي، بات منطق "حزب الله" ورفضه لتسليم السلاح مبرَّرين. فكيف سينعكس ذلك على العلاقة مع الرئيسين عون وسلام؟ وكيف سيتعاطى الرئيسان مع ملف السلاح بعد الذي حصل؟

لا يكاد رئيس الجمهورية جوزاف عون يُوفر جهدًا في سبيل التقارب مع "حزب الله". كان يريد منحه كل التطمينات التي من شأنها أن تدفع به نحو خطوات عملية على مستوى سحب السلاح شمال الليطاني بعد جنوبه. وتحت هذا العنوان اندرجت خطوته الأخيرة بتعيين الوزير السابق علي حمية مستشاراً لشؤون إعادة الإعمار. خطوة قد لا تكون بالضرورة منسقة مع "حزب الله" وقد لا يكون "الحزب" على علم مسبق بها، لكنها مبادرة من عون، الذي وعد وفد "حزب الله" في زيارته الأخيرة إلى بعبدا بأنه سيتولى ملف إعادة الإعمار قائلاً: "موضوع الإعمار عندي أنا".

غير أن هذه الخطوة، التي لم يعلّق عليها "حزب الله" سلباً أو إيجاباً، لاقت اعتراضات بالجملة، ممّن سجلوا ملاحظاتهم على وجود وزير سابق تابع لـ "حزب الله" إلى جانب رئيس الجمهورية، ومدى انعكاس ذلك على تعاطي المجتمع الدولي مع ملف إعادة الإعمار.

في المقابل، ثمّة من اعتبرها خطوة ذكية من بعبدا، التي تمضي في انفتاحها حيال الثنائي الشيعي، متجاوزة الاعتراضات والانتقادات التي وُجِّهت إلى الرئيس عون بسبب إصراره على فتح حوار مع "حزب الله" حول السلاح.

يدرك رئيس الجمهورية أن الصدام مع الثنائي خلال عهده سيكون سببًا للتعطيل. وقد غلّب حسن علاقته مع رئيس مجلس النواب نبيه بري على علاقته مع رئيس الحكومة نواف سلام، الذي كان خطابه، وحتى الأمس القريب، صداميّاً، بينما كان خطاب عون استيعابيّاً.

من ناحيته، يثمّن "حزب الله" عالياً خطوات رئيس الجمهورية، وقد اتخذ قراراً بالانفتاح على الجميع. حتى علاقته مع رئيس الحكومة نوّاف سلام سلكت طريق الإيجابية بعد زيارة وفد كتلة الوفاء للمقاومة برئاسة محمد رعد. تلك الزيارة التي اختتمها نائب "حزب الله" إبراهيم الموسوي كدلالة على حسن العلاقة، بأنها "بدأت بودّ وانتهت بودٍّ كبير".

لكن السؤال المطروح: هل باتت هذه الأجواء من الماضي بعد العدوان العنيف الذي استهدف الضاحية الجنوبية؟ أم أن الضغط على لبنان سيزيد تحت ذريعة سحب السلاح، ليكون العدوان رسالة إلى عون وحواره مع "حزب الله"، وإلى سلام أيضاً، بأن عدم سحب السلاح سيقود لبنان إلى حرب جديدة؟

وما الذي يمنع أن يكون ما شهدته الضاحية مقدّمة لحرب جديدة تنوي إسرائيل شنّها على لبنان، تنقذ نتنياهو من ورطته في غزة؟

وكيف سيتصرّف "حزب الله" بعد تلك الليلة العنيفة؟ وكيف سيتعاطى وهو يدرك فشل خيار الدبلوماسية؟ وكيف سيبرّر صمته لجمهوره الذي يُستهدف؟ وما حقيقة الموقف الأميركي؟ وهل صحيح أن الولايات المتحدة أعطت الضوء الأخضر للعدوان، ما يعني أنها قد تبرر حرباً جديدة؟

الأسئلة كثيرة، والتطورات تنذر بالأسوأ، والخطوات التي تقوم بها الدولة تبدو مجرّد أوراق شكلية، ولبنان يقف أمام منعطف خطر ينذر بما هو أقسى.