هي المرة الثانية التي يزور فيها الرئيس الفلسطيني محمود عباس لبنان. المرة الأولى كانت قبل ثماني سنوات. في الزيارة الأولى، بحث عباس مع الرئيس ميشال عون في أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات، وتعزيز العلاقات الثنائية بين فلسطين ولبنان، إضافة إلى مناقشة ملف السلاح الفلسطيني داخل المخيمات وخارجها. وفي هذه الزيارة بحث عباس مع الرئيس جوزاف عون في الموضوعات نفسها.

قبل ثماني سنوات أسفرت الزيارة عن تأكيد الطرفين ضرورة حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية وإنهاء أي مظاهر مسلحة خارج سلطة الدولة، والاتفاق على تشكيل لجنة لبنانية-فلسطينية مشتركة لوضع آلية تنفيذية لتسليم السلاح الفلسطيني داخل المخيمات للسلطات اللبنانية، والتشديد على احترام سيادة لبنان والعمل على ضبط السلاح داخل المخيمات بالتنسيق مع الدولة اللبنانية، مع استمرار الحوار حول آليات التنفيذ، خاصة مع وجود فصائل فلسطينية لا تخضع مباشرة لسلطة عباس.

اللافت أن ما أُعلِن بعد المحادثات هو نفسه تقريباً ما أُعلِن قبل ثماني سنوات. فعباس وعد الدولة اللبنانية بأنّ لها الحق في بسط سلطتها متى شاءت على المخيمات الفلسطينية، وفي تسلّم السلاح، معتبراً أن توقيت القرار يعود لها. وفي المجمل، يمكن القول إن المواقف بين الطرفين اتسمت بالمجاملة، إذ تبقى القضية الأساسية في ما يُطلب من لبنان دولياً، وهو تنفيذ القرار 1559، أي سحب سلاح كل المنظمات المسلحة، وعلى رأسها حزب الله والسلاح الفلسطيني.

المطلوب من لبنان، كما بات معروفاً، هو سحب السلاح من الفصائل الفلسطينية المسلحة، تحت طائلة مغادرة لبنان، ضمن مهلة زمنية يُتفَق عليها. وبالفعل فإن توجها كهذا ستتخذه الحكومة اللبنانية عما قريب وهو ما ينذر بأزمة قريبة محورها سلاح المخيمات التي وعلى ما يبدو قد اتخذ القرار بمواجهته.

لكن تسليم الفصائل الفلسطينية التي لا تعترف بالسلطة الفلسطينية سلاحها ليس بالأمر السهل، لكون هذه الفصائل لا تأتمر بأوامر السلطة الفلسطينية. فهل تسرّع عبّاس في حديثه عن السلاح الفلسطيني داخل المخيمات، لاعتقاده بأن الفرصة قد تكون مواتية اليوم لبسط السيطرة الكاملة على المخيمات، في ظل ما تواجهه "حماس" في قطاع غزة.

على كلّ حال فإن "حماس" لا ترفض بالمطلق دخول السلطة الفلسطينية إلى المخيمات لبسط سيطرتها، لكنها تريد ألا يُقتصَر الحوار حول المخيمات على السلطة وحدها، فـ"حماس" طرف أساسي يجب فتح النقاش معها بخصوص سلاح المخيمات.

الزيارة لم تلقَ استحسان عدد من الفصائل المحسوبة على هذا المحور

وعلى ما يبدو، فإن "حماس"، وبعد الاجتياح والحصار اللذين تعاني منهما في غزة، باتت تعتبر الحفاظ على سلطتها وسلاحها داخل المخيمات اللبنانية ورقة سياسية بديلة عن غزة. فحين كان ياسر عرفات في المنفى، لم يكن له وجود داخل فلسطين، وكان سلاحه في المخيمات هو ورقة قوته الوحيدة، ومثله تفكر "حماس" اليوم.

بعض السياسيين اللبنانيين قلّل من أهمية تعهّدات عباس، مؤكّدين أنه لا يملك قرار الفصائل المختلفة داخل المخيمات، وأبرزها "حماس"، التي تتبع في قرارها لـ "محور المقاومة"، ولا يمكنها اتخاذ قرار تسليم السلاح بمفردها.

الزيارة لم تلقَ استحسان عدد من الفصائل المحسوبة على هذا المحور، وهي سجّلت ملاحظاتها على التوقيت، لتزامنه مع القمة العربية وزيارة دونالد ترامب إلى السعودية، ومع الظروف الدقيقة التي يمر بها لبنان. كما أعربت هذه الفصائل عن استغرابها من قيام عباس بالزيارة والتعهد بسحب السلاح فيما يتعرض قطاع غزة للإبادة.

يسعى عباس لاقتناص الفرصة ليكون له دور وحضور في غزة كما في المخيمات، بعد مرحلة المفاوضات المرتقبة حول القطاع. وفي التقديرات أن الزيارة جاءت بدفع مصري، هدفه تحريك دور أبو مازن في ظل تراجع قوة "حماس".

ومن هنا، فإن وعود عباس، والضوء الأخضر الذي أعطاه للدولة اللبنانية لبسط سلطتها داخل المخيمات وخارجها، لا يُتوقع أن تكون لهما تداعيات سياسية فعلية، بل إن الدولة اللبنانية تحاول من خلال ذلك تقديم "ورقة السلاح الفلسطيني" للمجتمع الدولي، لتسحب منه الذرائع أمام المطالبة بنزع سلاح "حزب الله" وتكون حجتها لـ "حزب الله" أن مسألة السلاح باتت جدية وأن لا بد له من تسليمه.

وعلى الرغم من نجاح الزيارة البروتوكولي والسياسي، فأنّ مفعولها سينتهي مع مغادرة عباس، الذي قدّم وعودًا لا يملك سلطة تنفيذها، ولا يسيطر على واقع جغرافي تقاسمه أكثر من فصيل فلسطيني، أغلبهم لم يستفد حتى من "حرب الطوفان"، ولا من معاناة غزة وأهلها.

أما تصريحات عباس المتتالية، والتي تؤكد على ضرورة التزام الفلسطينيين جميعًا بسيادة لبنان وقوانينه، وعدم جواز القيام بأي عمل عسكري في لبنان أو من أراضيه إلا من قبل الجيش اللبناني حصراً، فقد دحضت المزاعم التي كانت تتلطى خلفها جماعة "الممانعة" من لبنانيين وفلسطينيين، لمواصلة امتلاك السلاح غير الشرعي، لأهداف داخلية لبنانية أو فلسطينية أو عربية، باتت مكشوفة للجميع.

ألا يلاحظ أحد أنّ أيار 2025 مختلف عن 2017؟