أسفرت جولة الرئيس دونالد ترامب الأخيرة إلى السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة عن نتائج ذات تداعيات بعيدة المدى على المشهد في الشرق الأوسط. رغم أن بعض النتائج المُعلنة بدت جيدة جداً لدرجة يصعب تصديقها، إلا أن الرحلة التي تميّزت بعقد صفقات طنّانة وخطوات رمزية، أشّرت إلى تحوّل نحو دبلوماسية قائمة على التعاملات التجارية، على حساب توترات بقيت غير محلولة لكنها لا تزال تؤثّر في الديناميات الإقليمية.
البراغماتية قبل الأيديولوجيا
ركزت جولة ترامب على تعزيز التحالفات مع دول مجلس التعاون الخليجي، متجاهلة التوقف لدى شركاء الولايات المتحدة التقليديين مثل إسرائيل. باستبعاد إسرائيل من جدول الزيارة وعقد قمة لمجلس التعاون الخليجي في الرياض، أعاد ترامب ضبط الموقف الأميركي بتفضيل دول الخليج الغنية بالطاقة على حساب شراكات إقليمية أوسع. هذا التحرك قد يرخي بثقله على العلاقات مع رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، لكنه يهدف إلى ضم مزيد من الدول العربية إلى الاتفاقات الإبراهيمية، وهو ما يصبّ في مصلحة إسرائيل.
وفتحت الجولةُ باب الحوارَ مع سوريا على وسعه، في ابتعاد ملحوظ عن سياسة واشنطن السابقة. لقاء ترامب مع الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع هو الأول من نوعه منذ ربع قرن، وقراره رفع العقوبات عن دمشق، هدف إلى إعادة سوريا إلى النظام الإقليمي. وأقدم ترامب على هذه الخطوة لمنح سوريا فرصة "لتظهر لنا شيئاً رائعاً". لكنّ الاجتماع حرّك منتقدين كثراً رأوا فيه تشجيعاً لنظام لا يزال متّهَماً بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان ومجازر ضد الأقليات.
صفقات ضخمة ووعود غير مؤكدة
أسفرت الجولة عن التزامات اقتصادية هائلة. فقد تعهدت دول الخليج باستثمارات وعقود شراء تزيد قيمتها على ألف مليار دولار:
- وقّعت قطر عقوداً بقيمة 243 مليار دولار، شملت أكبر طلبية حتى الآن من طائرات بوينغ وشراء مطيَّرات وأنظمة مضادة للطائرات.
- تعاونت الإمارات مع شركات أميركية لبناء أكبر مركز بيانات للذكاء الاصطناعي خارج الولايات المتحدة، تماشياً مع طموحها لأن تصبح مركزاً عالمياً للتكنولوجيا.
- أكدت السعودية التزاماً استثمارياً بقيمة 600 مليار دولار يستهدف البنية التحتية والتكنولوجيا الأميركية، رغم تشكيك الكثيرين في إمكانية تحقيق ذلك وسط ضغوط الإنفاق المحلي.
تعكس هذه الصفقات رغبة مشتركة في الانتقال من إطار "النفط مقابل الأمن" إلى شراكات اقتصادية متنوعة. ومع ذلك، لا يزال الشك كبيراً. مركز الدراسات والأبحاث "المجلس الأطلسي" رأى أن وعود الاستثمار الخليجية غالباً ما تفتقر إلى خرائط طريق واضحة، وأن مبلغ 600 مليار دولار الذي تعهدت المملكة باستثماره "نسبة غير معقولة" من اقتصادها في ظل الضغوط المالية المرتبطة برؤية 2030. وبالمثل، تواجه التزامات الإمارات التي تبلغ 1.4 تريليون دولار تحديات بسبب تقلبات الأسواق العالمية.
مبيعات الأسلحة والصراعات غير المحلولة
هيمنت الاتفاقيات الأمنية على جدول الأعمال، معزّزة اعتماد دول الخليج على أنظمة الدفاع الأميركية. فقد حصلت السعودية على صفقة صواريخ بقيمة ثلاثة مليارات وخمسمئة مليون دولار لتعزيز دفاعاتها الجوية في ظل تهديدات الحوثيين المستمرة. وأبرمت قطر عقداً بقيمة مليارَي دولار لمطيَّرات MQ-9B من شركة جنرال أتوميكس، وأنظمة مضادة للطائرات بقيمة مليار دولار من شركة رايثيون. وفي الوقت نفسه، وسّعت الولايات المتحدة وجودها في قاعدة العُدَيد الجوية في قطر.
لكنّ هذه الصفقات لم تلبِّ هدف السعودية في توقيع اتفاق أمني رسمي مع الولايات المتحدة. وقد أشارت شبكة بلومبرغ إلى أن المناقشات حول هذا الاتفاق "لا تزال حواراً مستمراً وليست إتماماً له"، لأن واشنطن "حريصة على عدم الإفراط في الالتزام".
أما أسلوب ترامب في معالجة الصراعات الإقليمية فنتائجه متفاوتة: فشل اقتراحه لإقامة "منطقة حرية" في غزة، وهي خطة غامضة لتنمية قطاع غزّة تحت إدارة أميركية، في محاولة لإنهاء الحملة العسكرية الإسرائيلية المتصاعدة. وبالمثل، رغم أن ترامب أشاد بجهود السلام التي تقودها دول الخليج في اليمن، لم يحرز أي تقدم ملموس في الأزمة الإنسانية هناك. لم توقف إسرائيل هجومها في غزة واستأنفت حملتها الجوية في اليمن فور مغادرة ترامب المنطقة.
ماذا عن لبنان؟
كان مستقبل لبنان موضوعاَ في النقاش، خصوصاً في سياق التعافي الاقتصادي والاستقرار الإقليمي. جدّد ترامب تأكيد نهج الولايات المتحدة تجاه لبنان، الذي يركز على إنهاء قوة "حزب الله" العسكرية ونفوذه السياسي والمالي، وعلى تنفيذ إصلاحات سياسية واقتصادية.
وقد تجسّد هذا النهج في تصريحات نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط مورغان أُرتاغُس ونشاطها الدبلوماسي. فهي قالت في المنتدى الاقتصادي بقطر إن "صندوق النقد الدولي ليس الخيار الوحيد"، مشيرة إلى رؤية أميركية للبنان تركز على جذب الاستثمارات الخاصة وتقليل الاعتماد على القروض الدولية. وأوضحت وجود "خطة كبيرة" لتحويل لبنان إلى بلد جاذب للاستثمار، فتنتفي الحاجة إلى دعم صندوق النقد الدولي إذا أنجزت الحكومة الإصلاحات الكافية واستعاد لبنان ثقة المستثمرين.
التحديات المستقبلية
تركت الزيارة دون حل أكثر الأزمات الإقليمية إلحاحاً، من دمار غزة إلى الطموحات النووية الإيرانية. ومع ذلك، عدّلت المقاربة الأميركية لبرنامج إيران النووي من خلال مزيج من الحث الدبلوماسي وتهديدات عسكرية مستمرة، مستفيدة من التحالفات الإقليمية للضغط على طهران.
وأبرزت الزيارة ثلاثة تحولات رئيسية في الاستراتيجية الأميركية:
التحوّل الأول هو التركيز على الدبلوماسية ونيّة عقد الصفقات. فقد أعلن ترامب أن الولايات المتحدة "قريبة جداً" من اتفاق نووي، وأن إيران "وافقت نوعًا ما" على الشروط. وهذا يمثل خروجاً على استراتيجيته السابقة القائمة على "الضغط الأقصى" التي ركزت على العقوبات والعزلة. ومع ذلك، ربطت الإدارة أي اتفاق بوقف إيران دعمها لأذرعها الإقليمية والتحقق من نزع سلاحها، إضافة إلى ضرورة تفكيك البنية التحتية النووية الإيرانية والسماح بمراقبة صارمة.
الثاني هو استخدام التحالفات الإقليمية كأدوات ضغط.
أما التحوّل الثالث فهو الانتشار العسكري الدائم التأهّب، إذ أبرز ترامب الجاهزية العسكرية، محذراً إيران من أن الفشل في الاتفاق سيؤدي إلى "إجراءات غير ودية جداً"، معيداً تأكيد وعده في 2020 بـ "منع امتلاك إيران سلاحاً نووياً بأي وسيلة ضرورية".